وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى

15/03/2015| إسلام ويب

في بداية سورة النساء تحدث القرآن الكريم عن (الإقساط) في اليتامى؛ حفظاً لحقوقهن، وتحصيلاً لما كتب الله لهن، فقال سبحانه: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} (النساء:3). وقفتنا مع سبب نزول هذه الآية. 

أخرج البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} فقالت: يا ابن أختي! هذه اليتيمة تكون في حِجْر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ، فأنزل الله عز وجل: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} (النساء:127) قالت: فبين الله في هذه الآية، أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال، رغبوا في نكاحها، ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق -أي لم يعطوها مثل مهر أمثالها من النساء-، فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها، والتمسوا غيرها من النساء، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق، ويعطوها حقها.

هذا سبب نزول هذه الآية كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، وهو ما ذكره المفسرون، واقتصر عليه ابن كثير. وذكر الطبري وغيره إلى جانبه روايات أُخر:

فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، قالوا: كانت العرب تتحرج في أموال اليتامى، ولا تتحرج في العدل بين النساء، فكانوا يتزوجون العشر فأكثر، فنزلت هذه الآية في ذلك.

وروي عن عكرمة قوله: نزلت في قريش، كان الرجل يتزوج العشر فأكثر، فإذا ضاق ماله عن إنفاقهن، أخذ مال يتيمه، فتزوج منه.

والأرجح أن سبب نزول الآية الكريمة ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في اليتيمة التي يُرْغَب في مالها وجمالها، ويريد أن يتزوجها وليها، لكنه لا يقسط لها في صداقها، ولا يعطيها حقها منه، فأُمروا أن يتركوهن، ويلتمسوا غيرهن من النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن، أو يطالب بها أولياؤهن؛ لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واتفاق جمهور المفسرين عليه. أما الروايات الأُخر فهي روايات مراسيل، لا تقوى بالوقوف أمام ما اتصل سنده، وصح ثبوته. 

ورواية عائشة رضي الله عنها وإن لم تسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن سياق كلامها -كما قال ابن عاشور- يؤذن بأن ما روته إنما روته عن توقيف؛ ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة؛ اعتداداً بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا سيما وقد قالت في رويتها: (ثم إن الناس استفتوا رسول الله). 

www.islamweb.net