الجمع بين أحاديث الترغيب والترهيب في تولي القضاء

03/05/2015| إسلام ويب

لما كانت الطبيعة البشرية مطبوعة على التنازع والتجاحد، ومنطبعة على التظالم والتخاصم، ولا يُعوَّل على إنصاف الفرد من نفسه، شرع الله لاستيفاء الحقوق ونصرة المظلوم تنصيبَ القضاة وتوليةَ الحكام؛ لإقامة العدل وإلزام الناس به، وعلى ضوء ذلك جاءت الأحاديث مرغبة في تولي منصب القضاء لمن استجمع شروطه وتوافرت أهليته، وبالمقابل جاءت بعض الأحاديث تنفر من تولي هذا المنصب الخطير، وتصفه بأنه باب من أبواب الهلكة والعذاب! فما وجه التوفيق والجمع بين الأحاديث المرغبة، والأخرى المنفرة؟

الأحاديث والآثار المرغبة في تولي منصب القضاء:

روى البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسدَ إلاَّ في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسَلَّطه على هَلَكته في الحقِّ، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويُعلِّمها". قال الحافظ ابن حجر: "في الحديث حث على تولي القضاء...فهو من القربات؛ ولذلك تولاه الأنبياء، ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين، ومن ثم اتفقوا على أنه من فروض الكفاية؛ لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه".
 
وروى مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المقسطين عند الله تعالى على منابرَ من نورٍ على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حكمهم، وأهليهم وما وَلُوا". فالحديث يمدح القضاة العادلين، وفيه إشارة إلى الترغيب في تولي منصب القضاء لمن علم من نفسه أنه يقيم العدل بين الناس.

الأحاديث المرهبة من تولي القضاء:

في السنن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَن وُلِّيَ القضاء، فقد ذُبِح بغير سِكِّين).
وفي سنن الترمذي عن ابن بريدة ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة".

يضاف إلى ذلك فرار عدد لا بأس به العلماء والصلحاء من تولي هذا المنصب؛ خوفاً على أنفسهم من الوقوع في الزلل والحيف في الأحكام والتقصير في التوصل لحقائق الأمور ودقائق الأقضية.

الجمع بين ظواهر الأحاديث:

تُحْمَل أحاديث الترغيب في تولي القضاء في حق المستجمع لشروط تولي هذا المنصب من العدالة والاجتهاد وغيرها من شرائط تولي القضاء، وتحمل أحاديث التحذير على العاجز عن الوفاء بحقوق القضاء، غير المستجمع لصفات القاضي، أو يكون مستجمعاً للصفات لكن لا يقدر على الحكم بما أنزل الله؛ لتدخل سلطة نافذة تمنعه من الحكم بالحق، فتكون هذه الأحاديث رسالة لمن يتطلعون لمنصب القضاء من غير تأهلهم لذلك، أو لمن كان به ضعف في شخصيته، والقضاء يتطلب حزماً وشجاعة في إصدار الأحكام، إذا تبين وجه الحق؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كما في "صحيح مسلم": (يا أبا ذر! إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأمَّرنَّ على اثنين ولا تَولَّينَّ مال يتيم).

وعليه فلا يجوز الاستدلال بحديث "مَن وُلِّيَ القضاء، فقد ذُبِح بغير سِكِّين" للاستدلال المطلق على ذم تولي القضاء؛ لأنه من فروض الكفايات التي لا تنتظم حياة الناس إلا به، وكذلك لا ينبغي الاستدلال بأحاديث الترغيب في تولي القضاء بإطلاق، فليس كل أحد يقدر على القيام بحق هذا الاستخلاف العظيم.

وأما ما روي من امتناع بعض السلف عن تولي القضاء، فمحمول على معرفتهم من أنفسهم عدم القدرة على تحمل أعباء القضاء، أو غلَّبوا جانب السلامة لأنفسهم، وليس الحجة في عملهم، فقد تولى القضاء خيرة الخلق من الأنبياء، وخيرة الصحابة من الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من العلماء والصلحاء من هذه الأمة إلى يوم الناس هذا. وبما تقدم ينتظم شأن الأحاديث المرغبة في تولي القضاء والمنفرة منه، ويُجمع بينها من غير تعارض ولا اختلاف.

www.islamweb.net