سماحة الإسلام وجمالياتها

01/06/2015| إسلام ويب

الإسلام دين الإرهاب ! الإسلام انتشر بالسيف! الإسلام دين القتل !!

تهمٌ معلّبةٌ تلك التي رسّخها المستشرقون في أذهان المتشكّكين، والجاهلين، والحاقدين، يتم ترديدُها في كل أمرٍ وحينٍ، على وسائل الإعلام، وفي الوسائل السّمعيّة والبصريّة والمكتوبة، مستغلّين تصرّفات بعض الجاهلين . فيتمّ تعميم الاستثناء وجعله القاعدة، في مغالطة تعميميّةٍ منطقيّة . متناسين أنّ شعار الإسلام هو : لا تعرف الحقّ بالرجال بل اعرف الحق تعرف رجاله!

لكنّ المتبصر المنصفَ هو من لا يبيع عقله لغيره، بل يقف بنفسه محقّقاً، راجعاً إلى مصادر الإسلام السّمحة، يقلّب صفحات الوحي متدبّراً متأمّلا، فما تلبث غمامة التدليس والخداع أن تنقشع، فتظهر شمس الحقّ مشعشةً يبصرها القاصي والدّاني.

إن المتأمل لنصوص الوحي ليقف على سماحة الإسلام في أبهى حللها وتجليّاتها، فيكفي أن تكون المحبّة بين الخالق وعباده هي أساس كل عبادة وعملٍ مقبولٍ، حتى يُعرف أن الإسلام جاء بما فيه الخير للبشر، يقول الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } ( آل عمران :31 ).

إن الإسلام متفهّمٌ لطبيعة البشر، وأنهم غير معصومين عن الخطأ، قابلين للزّلل وذلك مصداقٌ لقول الله تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفا } ( النساء: 28 )، ثم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطّائين التوّابون ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

فأولى مظاهر سماحة الإسلام غفران الله تعالى لعباده، وحلمه عليهم، ودعوته إليهم بالتوبة، ولا أدلّ من ذلك الحديث القدسي الذي يقول في الله تعالى : (ومَنْ عمِلَ قُرابَ الأرضِ خطيئةً ، ثمَّ لَقِيَنِي لا يُشرِكُ بي شيئًا جعلتُ لهُ مِثلَها مَغفرِةً ، ومَنِ اقترَبَ إلىَّ شِبرًا ، اقْتربتُ إليه ذِراعًا ، ومَنِ اقترَبَ إليَّ ذِراعًا ، اقتربتُ إليه باعًا ، ومَنْ أتانِي يمشِي ، أتيتُهُ هرْولَةً ) صحيح الجامع للألباني.

فأي سماحةٍ أكثر من أن يعلم الخاطئ أن باب التوبة مفتوحٌ على مصراعيه، وأنه إن بذل جهداً في التقرّب إلى الله، فإن خالق الكون يتقرّب إليه بأكثر مما يصنعه العبد!

من صور سماحة الإسلام مع غير المسلمين:
أما صور سماحة الإسلام مع أهل الشكّ والحيرة، فأكبر من أن نحصره في هذه المقالة، وإنما نضرب إليك أمثلةً تقرر هذه القاعدة الجليلة، فالقرآن به سورةٌ خاصّة مستقلّة مسمّاةٌ بسورة الكافرون : {قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين }.

فهي سورةٌ تقرر حريّة المعتقد للكافر، فليس هو ملزمٌ باعتناق الإسلام كرهاً وفرضاً، إنما ذلك متروكٌ لاختياره، وهو أيضا مصداق قوله تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ } ( البقرة: 256 ).. ودينٌ لا يفرض معتقده لهو أحرى بأن يتّسم بالسّماحة، فالله تعالى لا يريدُ إيماناً مفروضاً، إنما يكون عن طواعيّةٍ واختيارٍ.

فكانت هذه الآيات الكريمات، شعار المسلمين في كل عصر وحينٍ، فلم يسجّل التاريخ حالات اعتناق للإسلام فرضت بالسيف والقوّة. وفي هذا تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "لا إكراه في الدين، هذا ما أمر به القرآن الكريم، فلم يفرض العرب على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فبدون أي إجبار على انتحال الدين الجديد اختفى معتنقو المسيحية اختفاء الجليد، إذ تشرق الشمس عليه بدفئها! وكما تميل الزهرة إلى النور ابتغاء المزيد من الحياة، هكذا انعطف الناس حتى من بقي على دينه، إلى السادة الفاتحين". -1-

ويقول توماس أرنولد: "لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح"-2-

ومن سماحةِ الإسلام أنه حتى في حال الحرب، لم يقرّ مقاتلة المسالمين والمحايدين، كما في قوله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } ( الممتحنة: 8).

لأن الأصل في معاملة غير المسلمين هو التيسير والتبشير والعدل وعدم الظلم، بل جعل الله ذلك مما يتقرّب به المسلم ويجزى عليه في الدنيا والآخرة، بل وصدر الوعيد الشديد بأنه من قتل معاهداً أو مستأمناً لم يرح رائحة الجنّة، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفسًا معاهدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ ، وإنَّ رِيحَها ليُوجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا ) رواه البخاري.

نعم أيها المتشكك لن يريح المسلم على توحيده وأعماله الصالحة حتى رائحة الجنّة، فضلاً عن أن يبصرها بل ويدخلها !

بل هناك حديثٌ صحيحٌ آخر يقول : ( ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُه يوم القيامةِ) رواه السخاوي في الأجوبة المرضية.

فالظّلم والانتقاص، كما التضييق والتكليف فوق الطاقة، والغصب والنهب، محرّمٌ في دين الإسلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلم سيقف خصماً أمام المسلم لصالح ذلك الكافر المظلوم !

ومن مظاهر السماحة أيضاً، أن الإسلام حرّم هدم دور العبادة، بل جعل من واجبات الدولة حمايتها، وضمان حريّة ممارسة الشعائر الدينيّة لغير المسلمين .

وقد يبزغ هنا سؤالٌ عندك أيها المخالف، فتقول ما موقع حد الردّة في الإسلام مع كل ما سبق من السماحة واليسر ؟

فنجيبك : أن حد الردّة هو خاصّ بمن دخل الإسلام ثم ارتدّ عنه، حيث أن المسلم قبل إسلامه، يكون على وعيٍ بأن هذا الحدّ من مسلّمات الشريعة، وسوسيولوجيّاً لا يختلف حدّ الردة في شيء مع القوانين الغربيّة التي تحكم بالإعدام على من خان دولته وأشاع فيها الفتن وهدّد أمنها وسلمها، فالإسلام دين الدولة ودستورها، ولا يُعرف المرتدّ بارتداده إلا إن حارب الإسلام، وبدأ يشغب على المسلمين في دينهم، فلو ارتد بينه وبين نفسه وعاش حياته، لما شاع خبر ارتداده أصلاً، فالدولة تحمي نفسها من الفتنة وزعزعة الأمن العقديّ لسكّانها، وإعلان الارتداد معناه محاربةٌ لدستور الدولة ومنهجها .

ومن سماحة الإسلام حتى في حالة المرتدّ، أنه حدد مدة زمنيّةً لاستتابة المرتد، وهي فرصة لكي يراجع نفسه، ويعرف الصالح له، وبمجرد أن يعلن المرتد رجوعه إلى الإسلام، حتى ولو كذباً، يُرفع عنه الحد ولا يُقتل به من طرف القاضي أو وليّ الأمر.

فهل بعدَ هذا يصحّ أن يخرج علينا أحدٌ ليدّعي أن الإسلام، دين الإرهاب والقتل والإقصاء والترعيب ؟ إنها مجرد إشاعاتٍ مغرضةٍ وافتراءاتٍ كذوبةٍ، والمرء دائماً عدوٌّ لما يجهل، فعليك أيها المتشكك أن تفهم الإسلام بفلسفته ومنهجه كاملاً دون نقصان، ولا تجزئ أحكامه لأن الإسلام يفهمُ جملةً وشمولاً بشكلٍ مترابطٍ لا منفصلٍ .

هوامش المقال
1- كتاب شمس الله تسطع على الغرب، زيغريد هونكه ص: 364.
2- نقلا عن كتاب رد افتراءات المبشرين، محمد جمعة عبد الله، ص: 242.
 

www.islamweb.net