مقدمة الفاتحة والثناء على أرحم الرحماء

28/06/2015| إسلام ويب

 تحتوي الآيات الأربع الأولى من سورة (الفاتحة) على أعظم الثناء على أرحم الرحماء مما يمكن أن يردده الأنبياء والأتقياء، وذلك لثلاثة أسباب:

السبب الأول: أن الله -تعالى ذكره- ذَكَرَ في الحديث القدسي أن هذه الآيات الأربع تحتوي على الثناء عليه:
حيث قال: ((إذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال اللَّه تعالى: حمدنى عبدى، وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال اللَّه تعالى: أثنى علي عبدى، وإذا قال {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدنى عبدى)) رواه مسلم.

السبب الثاني: أن الله اختارها لتكون مقدمة كتابه في التعريف به والثناء على نفسه –جلَّ ذكره-، ومنها يتعلم عبده كيف يُثْني عليه من خلال هذه الآيات، وحسبك بذلك، فهذا خطيب الأولين والآخرين، سيد الفصحاء، وإمام البلغاء، لمّا سمع حمد الله لنفسه، ومدحه سبحانه لحقّه، علِمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقاصر اللسان أليق به فى هذه الحالة فقال: ((لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)) رواه مسلم .


داوود لو سمعتْ أذناه قالتها ... لما ترنّم بالألحان داوود


السبب الثالث: لأن الله -تعالى ذكره- ذكر في نصفها الأول ستة أسماء هي أصول أسمائه جل في علاه، وقابلها في نصفها الثاني بستة أحوال للعبد:

أما أسماؤه الستة المذكورة في (الفاتحة) فترجع جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى إليها:

الاسم الأول: (الله): ورد هذا الاسم في الآية الأولى (البسملة) وترجع إليه جميع الأسماء، ومنها أسماء الإلهية الحقة كالواحد الأحد.


الاسم الثاني، والاسم الثالث: الرحمن الرحيم: ورد هذان الاسمان مرتين في البسملة وفي الآية الثالثة.


وترجع إليهما جميع أسماء الرحمة واللطف: كاللطيف الحليم الودود الروؤف الوهاب الرزاق، والغفار والغفور.


الاسم الرابع: رب العالمين (الرب): ورد هذا الاسم العظيم في الآية الثانية في قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وترجع إليه جميع أسماء التربية: رحمة ورفقاً ووداً، وحزماً وقوة، وحكمة وخبرة وعلماً.


الاسم الخامس والسادس: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] على القراءتين: وترجع إليه جميع أسماء الحكم والقوة والقهر والفصل كالعظيم والكبير والمتعال والقهار والجبار، والفعال لما يريد.

وتقابلها ستة أحوالٍ للْعَبْدِ ذكرها الله في النصف الثاني من الفاتحة، وهي: العبودية، والاستعانة، وطلب الهداية، وطلب الاستقامة، وطلب النعمة، وطلب الحماية من طرق المنحرفين المعتدين.


من حكم ترتيب الأسماء الستة الواردة في سورة الفاتحة:


الحكمة الأولى: ترتيبها معجزٌ صالحٌ لشتى أنواع التفكير الصالح في التعرف على صفات ملك الكون ومالكه:

إذا أردت أن تنطبق تلك الأسماء الستة على هذه الأحوال الستة، فَكأنه قيل: إياك نعبد لأنك أنت اللَّه، وإياك نستعين لأنك أنت الرب، اهدنا الصراط المستقيم لأنك أنت الرحمن، وارزقنا الاستقامةَ لأنك أنت الرحيم، وأفض علينا سجال نعمك وكرمك لأنك مالك يوم الدين، واعصمنا من طرق المعتدين من المغضوب عليهم والضالين لأنك ملك يوم الدين، وترتيب المطابقة هنا فقط للتلذذ في المخاطبة، وإلا فيجوز غير ذلك.

ومن ذلك أن تتصور أن الله كَأنه يقول: خلقتك أولا فأنا إلَه، وعرفتك بي فاسمي هو (الله)، ثم ربيتك بوجوه النعم فَأنا رب، ثم جعلت خلقتك ونظام شريعتك الذي تسير عليه وفق مبدأ الرحمة فأنا رحمن رحيم، ثم عصيت فسترت عليك فأنا رحمن، ثم تبت فغفرت لك فأنا رحيم، ثم لم تخرج عن ملكي وسلطاني ولن تخرج، وسأوصل الجزاء إِليك فأنا ملك يوم الدين، ومالكه.

الحكمة الثانية: التعرف الكامل على الله جل في علاه:

فهو -تَعَالَى ذكره- جعل الاسم الأول (اللَّهُ) اسماً لنفسه فهو مختصٌ به مع تضمنه لمعنى الإلهية الحقة إذا جعلنا الكلمة مشتقة من (إله)، وجعل الخمسة التي أتت بعده أوصافاً له، وهي: الرب، والرحمن، والرحيم، والملك، والمالك، تدل على أوصاف جليلة لاسمه تعالى إيماء بأن موصوفها حقيق بالحمد الكامل الذي أعربت عنه جملة الحمد لِلَّه.
فالخمسة الأخيرة جمعت بين الوصفية والعلمية، فهي أوصافٌ للاسم الأول (الله)، وهي أسماءٌ في ذاتها.
 

www.islamweb.net