الطلاق قبل الدخول

30/09/2015| إسلام ويب

من المسائل المتعلقة بالطلاق مسألة طلاق الزوجة قبل الدخول بها، وقبل تسمية مهر لها، جاء في ذلك قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} (البقرة:236) وفي هذه الآية من الأحكام المسائل التالية:

المسألة الأولى: {أو} في قوله سبحانه: {أو تفرضوا لهن فريضة} بمعنى الواو العاطفة، كقوله سبحانه: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} (الإنسان:24) أي: وكفوراً، فيكون المعنى في الآية التي معنا: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء حال عدم مساسهن وعدم فرض المهر لهن أن تمتعوهن بالمعروف. 

المسألة الثانية: طلاق الزوجة بعد العقد عليها وقبل الدخول بها، وقبل تسمية مهر لها أمر جائز شرعاً، ولا حرج على المكلف في فعله، إذا عقد العاقد العقد بداية بقصد دوام الزواج وحسن المعاشرة والصحبة.

المسألة الثالثة: أفادت الآية بمنطوقها أن الزوجة غير المدخول بها وغير المسمى لها مهر أنه لا مهر لها، وإنما أمر سبحانه لها بالمتعة فحسب، وهذا مجمع عليه فيما حكاه ابن العربي. وحكى القرطبي عن حماد بن سليمان أن لها نصف صداق أمثالها، وجمهور أهل العلم على خلافه، وأن ليس لها إلا المتعة، قال ابن عاشور: "والنفس لقول حماد بن سليمان أميل". 

المسألة الرابعة: دلت الآية على أن نكاح التفويض جائز، وهو كل نكاح عُقد من غير ذكر الصداق (المهر)، ولا خلاف فيه، ويُفرض بعد ذلك الصداق؛ فإن فُرض للزوجة التحق بالعقد وجاز، وإن لم يُفرض لها، وكان الطلاق لم يجب صداق إجماعاً.

المسألة الخامسة: ذهب جمع من الصحابة رضي الله عنهم إلى أنه إذا تزوج الرجل امرأة، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً حتى مات، أن لها الميراث، ولا صداق لها، وعليها العدة، وهو قول مالك والشافعي، ومذهب الحنفية والإمام أحمد أن لها الصداق. ودليل من قال بأن لها الصداق ما رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، لم يفرض لها، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَرْوَع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت، ففرح بها ابن مسعود. قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح. وقال ابن المنذر: "وقد ثبت مثل قول عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه نقول". وذكر أنه قول أبي ثور وأصحاب الرأي.

المسألة السادسة: مذهب جمهور أهل العلم أن المتعة للمطلقة غير المدخول بها وغير المسمى لها واجبة على الزوج المطلق، تمسكاً بظاهر الأمر {ومتعوهن} إذ صيغة الأمر تفيد الوجوب ابتداء، قال ابن عاشور: "وهو الأرجح لئلا يكون عقد نكاحها خلياً عن عوض المهر". وقال الشيخ السايس: "والظاهر القول بالوجوب؛ لظاهر الأمر، وكأن الله جعل لها المتعة في مقابل ما جعل للمسمى لها من نصف الصداق".

وذهب مالك إلى أن المتعة مستحبة، وليست بواجبة، وتمسك مالك ومن وافقه بقوله تعالى: {حقا على المحسنين} قال: ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين. قال القرطبي: "والقول الأول أولى؛ لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله: {ومتعوهن} وإضافة الإمتاع إليهن بـ (لام) التمليك في قوله: {وللمطلقات متاع} أظهر في الوجوب منه في الندب".

المسألة السابعة: قال الجصاص: "فإن قيل: لـمَّا خص {المتقين} و{المحسنين} بالذكر في إيجاب المتعة عليهم، دل على أنها غير واجبة، وأنها ندب؛ لأن الواجبات لا يختلف فيها (المتقون) و(المحسنون) وغيرهم، قيل له: إنما ذكر {المتقين} و{المحسنين} تأكيداً لوجوبها، وليس تخصيصهم بالذكر نفياً على غيرهم، كما قال تعالى: {هدى للمتقين} (البقرة:2) وهو هدى للناس كافة، فلم يكن قوله تعالى: {هدى للمتقين} موجباً لأن لا يكون {هدى} لغيرهم، كذلك قوله تعالى: {حقا على المتقين} و{حقا على المحسنين} غير نافٍ أن يكون حقاً على غيرهم".

المسألة الثامنة: اختلفوا في الضمير المتصل بقوله: {ومتعوهن} مَن المراد به من المطلقات؟ فقال جمهور أهل العلم: المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول بها وقبل فرض المهر لها، ومندوبة في حق غيرها. وقال مالك وأصحابه: المتعة مندوب إليها في كل مطلقة، وإن دخل بها، إلا في التي لم يدخل بها، وقد فرض لها، فحسبها ما فُرض لها، ولا متعة لها. وأجمع أهل العلم على أن التي لم يُفرض لها، ولم يُدخل بها، لا شيء لها غير المتعة.

المسألة التاسعة: مذهب مالك أن المختلعة والمبارئة والملاعنة لا متعة لها، قبل البناء ولا بعده؛ لأنها هي التي اختارت الطلاق. وقال الترمذي وعطاء والنخعي: للمختلعة متعة. وقال أصحاب الرأي: للملاعنة متعة.

المسألة العاشرة: مذهب المالكية أنه ليس للمتعة حد معروف في قليلها ولا كثيرها، وهو مقتضى القرآن؛ فإن الله سبحانه لم يقدرها، ولا حددها. والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: أرفع المتعة خادم، ثم كسوة، ثم نفقة. وقال الحسن: يمتع كل بقدره. وقال بعض الشافعية: إن حالة المرأة معتبرة أيضاً، قالوا: لو اعتبرنا حال الرجل وحده، لزم منه أنه لو تزوج امرأتين: إحداهما: شريفة، والأخرى: دنية، ثم طلقهما قبل المسيس، ولم يسم لهما مهراً، أن يكونا متساويتين في المتعة، فيجب للدنية ما يجب للشريفة، وهذا خلاف ما قال الله تعالى: {متاعا بالمعروف}. ويلزم منه أن الموسر العظيم اليسار إذا تزوج امرأة دنية أن يكون مثلها؛ لأنه إذا طلقها قبل الدخول والفرض، لزمته المتعة على قدر حاله، ومهر مثلها، فتكون المتعة على هذا أضعاف مهر مثلها، فتكون قد استحقت قبل الدخول أضعاف ما تستحقه بعد الدخول من مهر المثل.

وقال أصحاب الرأي وغيرهم: متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف مهر مثلها لا غير؛ لأن مهر المثل مستحق بالعقد، والمتعة هي بعض مهر المثل.

وعلى الجملة، فالمعتبر في المتعة شيئان: أحدهما: اعتبارها بيسار الرجل وإعساره. الثاني: أن يكون بالمعروف، وإذا كان كذلك وكان المعروف منهما موقوفاً على عادات الناس فيها، والعادات قد تختلف وتتغير، وجب بذلك مراعاة العادات في الأزمان. كما يجب مع ذلك اعتبار حال المرأة. ولم يقدر أغلب العلماء لها مقداراً معلوماً، لا يتجاوز به ولا يقصر عنه، وقالوا: هي على قدر المعتاد المتعارف في كل وقت.

المسألة الحادية عشرة: من جهل المتعة حتى مضت أعوام، يدفعها إلى المطلقة، وإن تزوجت، وإلى ورثتها إن ماتت.

www.islamweb.net