والبحر المسجور

16/04/2017| إسلام ويب

في صدر سورة الطور أقسم سبحانه بجملة من آياته الكونية تأكيداً على وقوع عذابه بالكافرين، ووعده بالجنات للمتقين، ومن جملة ما أقسم به سبحانه قوله عز وجل: {والبحر المسجور} (الطور:6)، فما المراد بـ (البحر المسجور) وما وجه الإعجاز في هذه الآية؟

‏(‏البحر‏) في اللغة ضد البر‏، وقيل: إنما سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه‏، والجمع‏ (أبحر‏)‏ و‏(‏بحار‏)‏ و‏(‏بحور‏)‏ وكل نهر عظيم يسمى بحراً؛‏ لأن أصل (البحر) هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير‏،‏ وإن كانت لفظة‏ (البحر‏)‏ تطلق في الأصل على الماء المالح دون العذب‏،‏ كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء ‏(بحراً‏)‏ حتى قالوا‏:‏ للمتوسع في علمه‏ (‏بحراً)، وللتوسع في العلم ‏(‏تبحر‏)،‏ وقالوا‏:‏ فرس ‏(بحر‏)‏ أي: واسع الخطى،‏ سريع الجري‏.

أما وصف البحر بصفة‏ (المسجور‏)‏ فالصفة مستمدة من الفعل ‏(سَجَرَ‏)‏ و‏(‏السَّجْر‏) تهييج النار‏، يقال: ‏(سَجَر‏)‏ التنور، أي: أوقد عليه حتى أحماه‏، و‏(‏السَّجُور‏) هو ما يُسْجَرُ به التنور من أنواع الوقود‏،‏ كما يقال: ‏(سجر‏)‏ الماء النهر، أي: ملأه‏،‏ ومنه ‏(‏البحر المسجور‏)‏ أي: المملوء بالماء‏،‏ المكفوف عن اليابسة.

أما أقوال أهل التفسير في المراد بـ (البحر المسجور) فقد نقل ابن كثير عن الربيع بن أنس أنه‏:‏ هو الماء الذي تحت العرش، الذي يُنزل الله منه المطر، الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها‏،‏ أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين‏،‏ ينزله ‏سبحانه يوم البعث، فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه، كما تنبت البقلة من حبتها على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ أما جمهور المفسرين فذهبوا إلى أن المراد بـ (البحر المسجور) هو هذا البحر‏،‏بيد أنهم اختلفوا في معنى {المسجور} فقال بعضهم: المراد أنه يوقد يوم القيامة ناراً، كقوله تعالى: {وإذا البحار سجرت} (التكوير:6) أي: أوقدت وأضرمت، فتصير ناراً تتأجج محيطة بأهل الموقف، كما روي عن علي وابن عباس‏ رضي الله عنهما.‏ وقال بعضهم‏:‏ إنما سمي (البحر المسجور) لأنه لا يُشرب منه ماء‏،‏ ولا يُسقى به زرع،‏ وكذلك البحار يوم القيامة‏.

وروي عن سعيد بن جبير‏: {والبحر المسجور} يعني المرسل‏. وقال قتادة‏:‏ {المسجور} المملوء بالماء،‏ واختاره الطبري. وقيل‏: المراد بـ {المسجور} الممنوع المكفوف عن الأرض؛ لئلا يغمرها، فيغرق أهلها‏، قاله ابن عباس، وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب‏‏ رضي الله عنه عن رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم‏، قال‏: (ليس من ليلة إلا والبحر يُشرف فيها ثلاث مرات، يستأذن الله أن ينفضخ عليهم، فيكفه الله عز وجل‏) قال محققو "المسند": إسناده ضعيف. (قوله: ينفضخ، أي: ينفتح ويسيل).

والمتحصل من أقوال المفسرين، أن المراد بـ (البحر المسجور) البحر الموقد ناراً يوم القيامة، أو البحر المملوء بالماء. 

ماذا يقول العلم الحديث؟

من المعاني اللغوية والأقوال التفسيرية لـ (البحر المسجور) هو المملوء بالماء، والمكفوف عن اليابسة‏، وهو معنى صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة، كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين‏. ومن المعاني اللغوية والأقوال التفسيرية لهذا القَسَم القرآني أيضاً، أن (البحر المسجور) هو الذي قد أوقد عليه حتى حميَ قاعه، فأصبح مسجوراً، وهذا أيضاً من الحقائق العلمية، التي أكدتها الأبحاث العلمية في العقود المتأخرة من القرن العشرين، والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبداً، وهذا ما نفصله بعض الشيء تالياً: 

أولاً‏: (‏البحر المسجور‏) بمعنى المملوء بالماء، والمكفوف عن اليابسة

الأرض هي أغنى كواكب المجموعة الشمسية بالماء، الذي تقدر كميته بحوالي ‏(1360)‏ إلى (‏1385)‏ مليون مليون كيلو متر مكعب‏،‏ وهذا الماء قد أخرجه ربنا سبحانه كله من داخل الأرض على هيئة بخار ماء، اندفع من فوهات البراكين‏،‏ وعبر صدوع الأرض العميقة، ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية، والذي يمتد من سطح البحر إلى ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو متراً فوق خط الاستواء‏، وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض‏، وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع، حتى تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته‏.‏ وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض‏ (66%)‏ والمقدرة بأكثر قليلاً من خمسة آلاف مليون مليون طن‏، وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض‏، والذي تتكون فيه السحب‏، وينزل منه كل من المطر‏،‏ والبَرَد‏،‏ والثلج‏،‏ وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق، وتتكون العواصف والدوامات الهوائية، وغير ذلك من الظواهر الجوية‏،‏ ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع، ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبداً،‏ وحينما عاد إلينا بخار الماء مطراً،‏ وثلجاً، وبرداً، انحدر على سطح الأرض، ليشق له عدداً من المجاري المائية‏،‏ ثم فاض إلى منخفضات الأرض الواسعة، ليكون البحار والمحيطات‏،‏ وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات، ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية‏،‏ بدأت دورة المياه حول الأرض‏ من أجل التنقية المستمرة‏ لهذا الماء، وتلطيف الجو‏، وتفتيت الصخور‏، وتسوية سطح الأرض‏،‏ وتكوين التربة،‏ وتركيز عدد من الثروات المعدنية‏، وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة.

هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها، حوالي‏ (97,2%)،‏ وإبقاء أقله على اليابسة‏ حوالي (‏2,8%)، وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات‏، وتبقى نسبة ضئيلة على هيئة ماء عذب على اليابسة‏،‏ وحتى هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها على هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض‏، وفي قمم الجبال‏،‏ والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية على هيئة ماء تحت سطحي، وفي بحيرات الماء العذب، وعلى هيئة رطوبة في تربة الأرض، ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض، وما يجري في الأنهار والجداول.

وتوزيع ماء الأرض بنسب محددة، اقتضتها حكمة الله الخالق، قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات‏، وبالأقدار الموزونة، التي لو اختلت قليلاً بزيادة أو نقص، لغمرت الأرض، وغطت سطحها بالكامل، أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة، ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها‏.

ويذكر العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض، وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها، إذا انصهر ‏-وهذا لا يحتاج إلا إلى مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية‏- فإن كم الماء الناتج، سوف يؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار، والمحيطات إلى أكثر من مائة متر، فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان، والممتدة حول شواطئ تلك البحار والمحيطات‏.‏ وليس هذا من قبيل الخيال العلمي‏؛ فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمراً لليابسة من حدود شواطئها الحالية‏،‏ كما مرت فترات أخرى كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضاً من منسوبها الحالي، ما أدى إلى انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة‏،‏ والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة‏،‏ فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات، فانحسرت عن اليابسة، التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة،‏ وكلما قلَّ كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وطغت على اليابسة، التي تتضاءل مساحتها تضاءلاً ملحوظاً‏. 

من هنا كان تفسير قوله تعالى: {والبحر المسجور}‏ بأن الله تعالى يمن على عباده بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات،‏ وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة منذ خلق الإنسان،‏ وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة، أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض، وعلى قمم الجبال،‏ والذي يصل إلى أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي‏،‏ وإلى ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي،‏ ولولا ذلك لغطى ماء الأرض أغلب سطحها،‏ ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية‏،‏ والحيوانية‏،‏ والنباتية‏،‏ وهي إحدى آيات الله البالغة في الأرض‏،‏ وفي تهيئتها لكي تكون صالحة للعمران‏. 

ومن ثَمَّ كان تفسير قوله سبحانه: {والبحر المسجور} بمعنى المملوء بالماء، المكفوف عن اليابسة، ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة، التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏، وتشهد لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم‏ بالنبوة وبالرسالة‏. 

ثانياً‏: (البحر المسجور‏) بمعنى البحر المتوقد

في العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة، والتي تكون فيما بينها ما يُعرف باسم (أودية الخسف) أو الأغوار، وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالأرض إحاطة كاملة‏،‏ وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات‏،‏ ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض‏،‏ وفي قيعان عدد من بحارها‏،‏ ويتراوح عمق الصدوع المشكِّلة لتلك الأغوار بين (‏65)‏ كيلو متراً،‏ و(70)‏ كيلو متراً تحت قيعان البحار والمحيطات‏، وبين (‏100)‏ و(‏150)‏ كيلو متراً على اليابسة، وتعمل على تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل‏، وتقطيعه إلى عدد من الألواح الصخرية، التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة، يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي‏، وهو نطاق تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى، حيث تتبرد وتعاود النزول إلى أسفل‏، وهي بتلك الحركة الدائبة والدائمة، تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلى التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه،‏ ومصطدماً في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور، ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية‏، ومنزلقاً عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين‏.‏

وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض، تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها‏،‏ وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية لتساعد على دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة،‏ وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض على هيئة ثورات بركانية عارمة‏ تحت الماء‏، تسجر قيعان جميع محيطات الأرض‏،‏ وقيعان أعداد من بحارها‏، وتجدد مادتها الصخرية باستمرار‏.‏ وقد أدى هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات،‏ وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلى تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات، تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية‏،‏ وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن على هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من إندونيسيا‏،‏ ماليزيا‏،‏ الفلبين‏،‏ اليابان، وغيرها.‏ وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات، ويؤدي هذا التصادم إلى اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج، ما يؤدي إلى تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية، تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة، التي تطوى وتتكسر لترتفع على هيئة السلاسل الجبلية على حواف القارات، من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية،‏ وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية‏،‏ وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط، فإن هذا القاع قد يُستهلك بأكمله تحت القارة، ما يؤدي إلى تصادم قارتين ببعضهما‏،‏ وينشأ عن هذا التصادم أعلى السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا، التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط، الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة‏.‏

ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي، واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية‏، والثورات والطفوح البركانية‏.

ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من أربعة وستين ألفاً من الكيلو مترات‏،‏ بينما يبلغ طول الصدوع العميقة، التي اندفعت منها الطفوح البركانية، لتكون تلك السلاسل الجبلية في أواسط المحيطات أضعاف هذا الرقم‏.‏ وتتكون هذه السلاسل أساساً من الصخور البركانية المختلطة بالقليل من الرسوبيات البحرية، وتحيط كل سلسلة من هذه السلاسل المندفعة من قاع المحيط بواد خسيف، مكون بفعل الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بعمق يتراوح بين خمسة وستين كيلو متراً وسبعين كيلو متراً، ليخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل، ويصل إلى نطاق الضعف الأرضي، الذي تندفع منه الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجة حرارة تزيد عن الألف درجة مئوية؛ لتسجر قيعان كل محيطات الأرض‏، وقيعان عدد من بحارها النشطة باستمرار‏،‏ ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة، يتسع قاع المحيط باستمرار‏،‏ وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطئ المحيط يمنة ويسرة، ليحل محلها أحزمة أحدث عمراً، تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة‏، وتترتب بصورة متوازية على جانبي أغوار المحيطات والبحار،‏ ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه‏، وبذلك يمتلئ محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه فتسجره‏، بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين، حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع‏، والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة‏.‏

وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الأرض،‏ وقيعان عدد من بحارها، توجد أيضاً على اليابسة -ولكن بنسب أقل منها- فوق قيعان البحار والمحيطات، وتعمل على تكوين عدد من الأغوار، والبحار الطولية، التي تعمل على تفتيت الكتل القارية باتساعها التدريجي، لتتحول تلك البحار الطولية -مثل البحر الأحمر- إلى بحار أكبر، ثم إلى محيطات تفصل بين الكتلة القارية، التي كانت متصلة على هيئة قارة واحدة،‏ وتحاط تلك الخسوف القارية العملاقة بعدد من القمم البركانية السامقة من مثل جبل (أرارات) في شرقي تركيا‏ (5100‏) متر فوق مستوى سطح البحر.

وقد ثبت لكل من علماء الأرض والبحار -بالأدلة المادية الملموسة- أن كل محيطات الأرض ‏(بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي‏) وأعداداً من بحارها -من مثل البحر الأحمر‏-‏قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة، التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل، وتصل إلى نطاق الضعف الأرضي، وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساساً في قيعان البحار والمحيطات،‏ وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة -على ضخامته- لا يستطيع أن يطفئ جذوة الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض إطفاء كاملاً، وأن هذه الجذوة -على شدة حرارتها‏- لا تستطيع أن تبخر هذا الماء بالكامل،‏ وأن هذا الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية، هو من أكثر ظواهر الأرض إبهاراً للعلماء‏،‏ وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر الستينات، وأوائل السبعينات من القرن العشرين‏.

ومن الملفت للانتباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لم يركب البحر في حياته الشريفة مرة واحدة، فضلاً عن الغوص إلى أعماقه، قال في حديث شريف أخرجه كل من الأئمة: أبو داود في "سننه‏"، والبيهقي في "سننه الكبرى‏"‏، وابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‏ ما نصه‏:‏ (لا يركب البحر إلا حاج، أو معتمر، أو غاز في سبيل الله‏، فإن تحت البحر ناراً،‏ وتحت النار بحراً) وفي رواية‏:‏ (إن تحت البحر ناراً،‏ ثم ماءً،‏ ثم ناراً). ويعجب الإنسان المتبصر لهذا السبق في كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلي حقيقة من حقائق الأرض، التي لم يتوصل الإنسان إلى إدراكها إلا في نهايات القرن العشرين‏، هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدراً غير الخالق الواحد القهار، الذي أنزل هذا القرآن بعلمه‏ على خاتم أنبيائه ورسله‏، وعلَّم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏ صلى الله عليه وسلم‏ من حقائق هذا الكون ما لم يكن لأحد من الخلق إلمام به قبل العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين‏؛ لكي تبقى هذه الومضات النورانية في كتاب الله‏، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏ شهادات مادية ملموسة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، الذي حفظه تعالى على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد‏، وإلى قيام الساعة بلغة الوحي‏ نفسها، كلمة كلمة‏، وحرفاً حرفاً في صفائه الرباني‏،‏ واشراقاته النورانية‏، دون أدنى تغيير، أو تبديل، أو تحريف،‏ وأن هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم كان موصولاً بالوحي‏،‏ ومُعَلَّماً من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏ فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا القَسَم القرآني {والبحر المسجور}‏ وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بهذه الحقيقة، فقال قولته الصادقة: (إن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً)‏.

* مادة هذا المقال مستفادة من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن السنة بتصرف.

www.islamweb.net