ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام

18/06/2017| إسلام ويب

نِعَم الله سبحانه على عباده لا تعد ولا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:16) وقد ذكر سبحانه في محكم كتابه كثيراً من النعم، التي أنعم بها على خلقه، ومن تلك النعم التي تحمل دلالات إعجازية نعمة الفُلك التي تجري في البحر بأمر سبحانه وتقديره، قاطعة المسافات الشاسعة، ومقربة الأماكن البعيدة، وموفرة على الإنسان الجهد والوقت والمشقة، قال سبحانه: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس} (البقرة:164)، وقال عز من قائل: {ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره} (الحج:65).

أول من صنع الفُلك

كان أول من صنع السفن نبي الله نوح عليه السلام، فقال الله جلَّ وعلا: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} (هود38). فسخر منه قومه؛ لأنه بالأمس كان نبياً يدعوهم لدين الله، وبعد ذلك أصبح نجاراً، يصنع السفن التي لم تكن مألوفة لهم، وكانت هذه التجربة بأمر من الله تعالى ووحي منه، فعُلِّمَ صناعتها، والشروط التي تضمن لها الطفو، فقال الله سبحانه: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (هود:37) وكانت أفضل مادة لصناعتها الخشب؛ لأنه أخف من الماء، ويجب أن تُنشر على شكل ألواح ليزداد سطحها؛ وبالتالي تزداد القوة الضاغطة عليها، وهو ما يسمى بلغة العلم بـ (دافعة أرخميدس)، وأن تثبت بالمسامير، وتطلى بمادة عازلة، تمنع تسرب الماء إليها، ما يجعلها قادرة على الطفو في البحر وعدم الغرق، قال سبحانه: {وحملناه على ذات ألواح ودسر} (القمر:13) و(الدسر) هي المسامير التي تُثبت بها ألواح الخشب.

لماذا لا تغرق السفن؟

كثيراً ما يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده، كيف تطفو السفن فوق الماء من غير أن تغرق؟ رغم أنها مصنوعة من معادن كثافتها أعلى من كثافة ماء البحر، ورغم حجمها الكبير؟ ولماذا تغرق قطعة صغيرة من الحديد؟

والجواب على هذا السؤال هو: إن السفن لا تغرق؛ لأنها تبنى ضمن شروط توافق طبيعة الطفو على سطح البحر، فيجب أن يكون الجزء المغمور منها ضخم الحجم وأجوف؛ لذا فإن قوة دفع مياه البحر تزداد بزيادة الحجم؛ ولذلك جاء التعبير القرآني بكلمة (سخَّر) والتي تعني: ذلَّل وأخضع. فسخر الله سبحانه البحار، وجعلها تتمتع بقوة تؤثر على السفن، وفق قانون (دافعة أرخميدس) وهي قوة عامودية، تتجه إلى الأعلى، وتؤثر على الأجسام غير الذوابة في السائل، وتساوي أيضاً وزن السائل المزاح.

حاجة السفن إلى الجسم المغمور

من الملاحظ أن (دافعة أرخميدس) تزداد بزيادة حجم الجسم المغمور في الماء؛ لذلك يكون حجم السفينة كبير، وهو شرط من شروط توازنها، فشبَّه القرآن الكريم السفن في البحر بالجبال، وهنا نجد دقة اللفظ القرآني من الناحية العلمية، فقال سبحانه: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام} (الشورى:32). فالجبال مثل الأوتاد التي نرى قسماً منها ظاهراً فوق الأرض، والآخر يكون في باطنها، قال الله تعالى: {والجبال أوتادا} (النبأ:7). وكما أن الجبال في الأرض تحفظ لها التوازن والاستقرار وتمنعها من الاضطراب، من خلال أوتادها، فكذلك السفن تحتاج مثل الجبال إلى الجزء المغمور في الماء ليحفظ لها التوازن، ويمنعها من الغرق والاضطراب، وهذا ما يدل عليه قول الله تعالى: {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (لقمان:10).

وهكذا، تزداد دافعة أرخميدس بزيادة الحجم، ويزداد الحجم بزيادة السطح، وبالتالي تزداد قوة الضغط؛ لأن الضغط يتناسب عكسياً مع السطح.

كثافة السائل في البحار

تزداد (دافعة أرخميدس) بزيادة كثافة السائل، وهنا تجدر الإشارة إلى دور ملوحة البحار في هذه القوة؛ لأنه كلما كبرت نسبة الملوحة كبرت الكثافة، فمثلاً البحر الميت نسبة ملوحته أكبر بكثير من غيره البحار، ودافعة أرخميدس فيه أكبر، لذا سماه علماء الفيزياء (البحر الذي لا يغرق فيه أحد!)، وبالتالي تطفو السفينة عندما يكون الوزن الحجمي للسائل أكبر من الوزن الحجمي لها، أي: (أن يكون وزن نفس حجم الجسم من السائل أكبر من وزن الجسم).

كثافة السائل في الأنهار

تتمتع مياه الأنهار بكثافة أقل من كثافة ماء البحار؛ لأنها عذبة ونسبة ملوحتها أقل من ملوحة البحار؛ لذا فكثافة ماء البحار أكبر، وقد عطف سبحانه الأنهار على البحار، فقال جلَّ شأنه وهو بصدد تعداد نعمه على عباده: {وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار} (إبراهيم:32) ولكي تجري السفن فيها يجب أن تكون الأنهار واسعة وعميقة، لتزداد قوة الضغط، ونزيد حجم السفينة بما يتلاءم مع الكثافة، لتحقق شروط الطفو.

كيف تجري السفن؟

العلم الذي يدرس هذا النوع من الحركة يسمى علم التحريك: وهو يدرس الحركة من حيث مُسَبَّبَاتها، أي القوة المؤثرة عليها، فحركة السفن في البحار تخضع لمبدأ العطالة (قانون نيوتن الأول)، ونميز هنا بين حالتين:

1- الجسم الساكن يبقى ساكناً ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤدي لتحريكه.

2- يبقى الجسم محافظاً على سرعته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغيرها

والقوة: هي كل ما يؤثر على الأجسام فتغير من شكلها، أو سرعتها، أو طبيعتها.

العلاقة بين الرياح وحركة السفن

السفن القديمة ومنها (الشراعية) تسير تحت تأثير قوة الرياح، وهي القوة التي كانت معتمدة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللرياح دور كبير في تحريك السفن، وهذا واضح في قول الله تعالى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام * إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} (الشورى:32-33) فتبقى السفينة ساكنة ما لم تؤثر عليها قوة تحركها، وقوة الرياح هي المسؤولة عن إعطاءها قوة الدفع، وهي التي تجعلها تتحرك بسرعة متناسبة مع هذه القوة، فإذا كانت هذه القوة معدومة سكنت، أما السفن الحديثة فتجري تحت تأثير قوة تقدمها محركاتها، فإذا انعدمت ركدت. فسبحان الذي سخر لنا الفلك {وما كنا لها مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} (الزخرف:13-14) {مقرنين} أي: مطيقين، أو ضابطين.

وجه الإعجاز في الفُلك

أولاً: الإعجاز التاريخي

أخبرنا الله تعالى عن العصر الذي صُنعت فيه السفن، معلناً اسم النبي الذي صنعها وأعدها؛ لتجري في البحر ضمن شروط تحفظها من الغرق، ويقضي الناس من خلالها مصالحهم.

ثانياً: الإعجاز العلمي

1- تجلى إعجاز القرآن الكريم في أن السفن تبقى ساكنة، ما لم تؤثر عليها قوة تحركها.

2- تشبيه السفن بالجبال، والجبال أوتاد، فمنها قسم لا نراه يسكن في باطن الأرض، يحفظ توازنها، ويمنعها من الاضطراب والاختلال، كذلك السفن فمنها قسم مغمور في الماء لا نراه، يؤمِّن لها التوازن والاستقرار، ويحفظها من الغرق والاضطراب.

3- تسخير مياه البحار والأنهار وجعلها ذات كثافات مناسبة لتحمل على ظهرها السفن.

4- استخدام الخشب لصناعة السفن؛ لأنه أخف من الماء، واستخدام المسامير لتثبيت الألواح الخشبية ذات السطح الكبير، ما يزيد من القوة الضاغطة، ويمنع تسرب الماء إلى داخلها.

وأخيراً: فإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، ما كان ينطق عن الهوى، بل وحي من الله سبحانه وتعالى، الذي يُعَلِّمُ من يشاء من عباده، ويصطفي منهم من ارتضى.

* مادة المقال مستفادة من موقع (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)

www.islamweb.net