كيف نجعل الأشقاء أصدقاء؟

28/02/2017| إسلام ويب

مما لا شك فيه أن الأبناء نعمة كبيرة، ومنَّة عظيمة؛ فقد أخبرنا الله - تبارك وتعالى - في سياق تعداد نعمه على عباده - كما في سورة التوحيد والنعم (سورة النحل) - أنه امتن على الناس بنعمة الأبناء، فقال - سبحانه -: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، ولا يعرف مقدار هذه النعمة إلا من حُرِمَ منها.

وإن مِنْ شُكْر نعمة الولد: حسن توجيهه، والاهتمام به (تغذيةً وتأديباً وتعليماً)، والاعتناء به في كافة المجالات (إيمانيّاً، وتربويّاً، وجسديّاً، ومعنويّاً)؛ وذلك حتى تنمو الثمرة محاطة بظلال وارفة من الدفء التربوي؛ الذي يؤدي إلى أن تؤتي الثمرة أُكُلَها بعد نموها واشتداد عودها. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ» أخرجه أحمد و الترمذي

وقد كانت القبائل العربية قديماً تحرص على أن تربي أبناءها على أواصر الأخوة وشدة التماسك والتلاحم؛ ولذا كانت تشتد في ما بين أفرادها آصرة الأخوة وقوة العلاقة والتناصر، حتى ربما ينصر الأخ أخاه والقريب قريبه سواء كان ظالماً أو مظلوماً؛ فقد وصف الشاعر العربي ذلك بقوله:
                       لا يسألون أخاهم حين يندبُهم في النائباتِ على ما قال برهانا

ومن الملاحظ في الأزمان المتأخرة – وهو مما يؤسف له - أن العلاقات الأسرية بصفة عامة والعلاقة بين الأشقاء بصفة خاصة صارت فاترة، خاملة، إن لم تكن في بعض البيوت في حالة موت سريري، تنتظر إعلان القطيعة، وحلول الجفوة، وانقطاع التواصل.

وصار الولد يجد سلواه وراحته مع صديق له بعيداً عن نطاق الأسرة، يحكي معه، ويروي له، ويفيض بأنواع الحديث، مع أنه في بيته ومع إخوته ووالديه قليل الكلام، بطيء التواصل. وصارت راحة كثير من الشباب تتمثل في الخروج من إطار المنزل بتوجيهاته وتعليماته، وربما صرخاته وعقوباته، والأغرب في ذلك هو الفرار من الأشقاء والاحتماء بالأصدقاء خارج نطاق الأسرة أو معارفها.

والسؤال الآن: لماذا لا يكون الأشقاء أصدقاء؟

وكيف نعيد الدفء بين الأشقاء في بعض المنازل؟

في البداية لا بد من تقرير حقيقة مهمة، ألا وهي: أن إقامة علاقة صداقة بين صديقين ليس بالضرورة سببها البُعد عن الأشقاء أو مشكلات الأسرة؛ وإنما يعود ذلك أولاً لقَدَر الله - تبارك وتعالى - فالأصدقاء رزقٌ، هذا أولاً، وقد يرجع ذلك إلى أسباب أخرى كالمرحلة العمرية للأصدقاء، وظروف الدراسة، أو الارتباط بمحل إقامة معيَّن... إلخ.

ولكن الآباء في بعض الأحيان لا يساعدون في تقوية علاقة الأُلفة والصداقة بين الأشقاء؛ وذلك عبر بعض الوسائل الهادمة لأواصر الأخوة، ومن ذلك:

1 - حرص بعض الآباء على إرضاء الطفل الأصغر بصفة دائمة، ربما بحجج كثيرة قد يكون بعضها وجيهاً في الظاهر؛ فبعض الآباء يرون أن الابن الأكبر قادر على التحمل من الأصغر، وأن الابن الأصغر قد لا يفهم الأمور كما يفهمها الابن الأكبر؛ لذا يقعون في خطأ يفرِّق بين الأشقاء بنصرة الأصغر دائماً، وهذا أمر خاطئ؛ فالصواب أن يكون الآباء في جانب الصواب والحق، مع العطف على الصغير، وإعطاء الكبير حقه. وكذا مع الابن من ذوي الاحتياجات الخاصة.

والأصل هو العدل بين الأبناء في الحنو والعطف والمال والقبول... إلخ، حتى لا يطمع الصغير في حق غيره بصفة دائمة، ويكبر على الأثرة، وحب النفس؛ فلا يرى الصواب في الأمور إلا في صفِّه وصالحه، وأن كل قضاء وحكم ضده فهو غير مقبول؛ وإنما لا بد أن يُرَبَّى الأبناء على معاني العدل.

2 - بعض الآباء يستخدمون بعض الأبناء في أعمال غير مشروعة ضد أشقائهم: كالتتبع، والتلصص، والتجسس عليهم، ونقل الأخبار للآباء، وهو ما يوغر صدور الأشقاء تجاه بعضهم بعضاً، ويجعلهم يتنافرون ويتقاطعون، بل ربما أبغض أحدهما الآخر، وهذا يعود في سببه الأول إلى أن بعض الآباء يزرعون (بجهلهم) بذور الكراهية بين الأشقاء.

والأصل أن يرعي الآباء أبناءهم، ويبحثوا عنهم في غير تلصص ولا تجسس، ويا لروعة الحل النبوي العظيم، ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، وإذا كنا مدعويِّن إلى تطبيق هذا الهدي النبوي مع الأغراب، فالأَوْلى أن نطبِّقه على الأبناء والأسرة، لما فيه من صيانة كرامة المخطئ، وتعريفه بخطئه دون تجريح ولا أذى؛ وذلك حتى لا نجعل بعضهم يتجسس على بعض وينقل الأخبار التي تكدر العلاقات، والتي تدفع الشقيق لمقاطعة أخيه؛ لأنه نقل سره لأبيه. فلو امتنع عقلاء الآباء من جعل بعض الأشقاء جواسيس، لربما آوى الشقيق لشقيقه، ولم يتدابرا ويتقاطعا، وكان ذلك دافعاً لتقوية آصرة الأخوة والصداقة بينهما.

3 - أهمية الاستماع الناقد، وعدم التعجل في التخلص من مشكلات الأبناء: فمشكلات الأبناء أمر طبيعي، يتكرر في معظم البيوت، والخلاف ظاهرة صحية إذا أُحسن التعامل معها؛ إلا أن بعض الآباء لا صبر له على تحمُّل مشكلات الأبناء فضلاً عن سماعها؛ فبمجرد شكوى أحد الأشقاء من شقيقه، إلا وتعلو ثورة الأب، ويحمر وجهه، ويرتفع صوته، فيستشعر المظلوم مرارة هضم حقه وضياع فرصته في الاستماع لشكواه، فكثيراً ما تضجر الأم أو يثور الأب لمجرد شكوى أحد أبنائه، ويبادر بالصراخ أو التهديد، حتى ينتهوا عن افتعال تلك المشكلات......

والأصل: أن يحتوي الآباء مشكلات أبنائهم، ويعمِّقون آصرة الأخوة، ويوجهونهم إلى التحابِّ، وأهمية إيثار الأخ، والفرح له، والسرور بنجاحه، والصبر على عِوَج أخلاقه، والتحلـي بفضـائل الأخـلاق، وأن الشـقيـق لشـقيقه صنـوان لا يفترقان، وأن الأفضل دائماً غرس أصول التحاب والإيثار بين الأشقاء، وتشجيعهم على ذلك.

4 - عدم قبول الوشاية بين الأشقاء، وتربية الأبناء على الصدق: فإذا أغلقنا باب استماع ونقل الهفوات، نكون بذلك قد أغلقنا باباً عظيماً من الشر، وينتج عن ذلك أمران:

الأول: تدريب الأبناء على صدق الحديث.

والثاني: الابتعاد عن نقل الكلام على سبيل الإفساد.

5 - عدم تحقير الابن ومقارنته بشقيقه الأفضل منه: فقد يتفوق أحد الأشقاء على الآخر في التعليم أو الأخلاق أو المواهب الفردية، فإذا استخدمنا ذلك في لوم أو تعنيف أو تحقير الابن غير المتفوق بتذكيره دائماً بتفوق شقيقه، وأفضليته عليه.

والأصل أن يعلم الآباء أن الواهب - جل في علاه - نوَّع أرزاق عباده، ومن ذلك ما نوَّع به أرزاق الأبناء في مواهبهم الشخصية، وميولهم وقواهم العقلية، ومميزات كلٍّ منهم، وأن الواجب على الآباء أن يبحثوا عن مجال تفوُّق ابنهم وتشجيعه عليه طالما أنه مجال نافع مفيد، منضبط شرعاً، والأفضل أن نكافئ المتميز من الأبناء دون تحقير الآخرين، مع رفع روحه المعنوية عبر تذكيره وتنبيهه لبعض المميزات في شخصيته، وذلك له أثر مهم في بناء شخصية الابن أو تحطيمه، وفي تفوق الابن أو رسوبه، وفي ثقته بنفسه أو نكوصه وخموله.

إن الآباء الناجحين ليسوا هم فقط من يكافئون المتفوق من أبنائهم، ويشكرون الـمُجيد منهم، ويثنون بالخير على المتميز منهم؛ وإنما أنجح الآباء وأفضلهم من يرتقي بأبنائه الضعفاء في المستوى العقلي والتحصيلي والضعف الذهني إلى مرحلة متقدمة يعتمدون فيها على أنفسهم، ويستشعرون الثقة في أنفسهم، ويخرجونهم إلى معترك الحياة أقوياء، فالآباء لن يستمروا مع أبنائهم أبد الدهر؛ وإنما الدنيا مراحل وأيام، وطفل اليوم هو أبٌ غداً، وقديماً قالوا: (من جدَّ وجد، ومن غرس حصد).

6 - تنحية الجانب الإيماني من التربية له مفاسد جمَّة: إن الآباء الذين يحرصون على تقليد المدارس الغربية في قضايا التربية، فيُقبِلُون نَهِمين على ما تدفعه مطابعهم من كتب ودراسات وأبحاثٍ كُتبت في مجال وأشخاص وواقع مغاير لواقع أمتنا، وقد تخالف في بعض الأحيان شريعة ربنا وسُنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

إن تنمية الجانب الإيماني وغرس القيم الإيمانية التي تمس شغاف القلوب له مفعول السحر على قوة العلاقة بين الأفراد في المجتمع المسلم؛ فإذا أحسن الآباء توجيه الأشقاء في الأسرة الواحدة لأحاديث الإخاء والحب في الله: جنوا من ذلك ثماراً طيبة، تؤدي إلى وحدة الأسرة وقوة العلاقة، وشدة الترابط، وحرص الشقيق على شقيقه، فلا تزيد الأيام العلاقة بينهما إلا قوة، ولا تنفصم الرابطة الإيمانية والأسرية بينهما لأسباب تافهة؛ كأن تفرِّق بينهما امرأةٌ (زوجة أحدهما مثلاً)، أو دنيا زائلة، أو وشاية مغرضة، أو خبر كاذب... إلخ.

7 - أهمية ترابط الأسرة واتحاد موقف الأب والأم في علاج المشكلات بين الأبناء الأشقاء وكذا في توجيههم، حتى يكون المنهج واحداً لا يختلف باختلاف أدوار الأب والأم، فينمو الأشقاء على حب أحد الوالدين وبُغض الآخر: إن الأسر غير المترابطة (منهجيّاً، وتربويّاً، ومعنويّاً، ونفسيّاً) قد ينشأ من بين أفرادها من يسلك سبيل الانحراف؛ خصوصاً حين تتبع الأسرة أساليب تربوية غير صحيحة تعود بآثار سلبية، فقد تكون عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة خاطئة ينقصها تعلُّم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة والمسؤولية الاجتماعية، أو تقوم على اتجاهات سلبية، مثل التسلط والقسوة والرعاية الزائدة، والتدليل والإهمال والرفض والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث، وبين الكبار والصغار، وبين الأشقاء وغير الأشقاء، والتذبذب في المعاملة... إلخ.

أيها الآباء! الزموا العدل والقسط بين الأبناء، واحرصوا على تقريب القلوب بين الأبناء، وربوا أبناءكم على أن يفرح الأخ لنجاح وسعادة شقيقه، وأن ينعكس نجاح أحد الأبناء بالسعادة والسرور على باقي الأسرة؛ تشجيعاً للمقصِّر لينجح، ودفعاً للمفرِّط للتفوق، واحذروا التقريع واللوم الكثير؛ فإنها أساليب قد تضر أكثر مما تنفع.

أسأل الله أن يبارك لنا في الأهل والولد والمال، وأن يصلح لنا ذريتنا، إنه سميع مجيب.
 

www.islamweb.net