حديث الوقف

10/09/2018| إسلام ويب


ارتبط مفهوم الوقف بالحضارة الإسلامية ارتباطا وثيقا، فهو أحد المقومات الحضارية التي نهضت بكثير من المشاريع العلمية، فالمدارس والمذاهب الفقهية كانت تعتمد على ريع الأوقاف الإسلامية، فعرفت أوقاف الشافعية، وكذا الحنفية وهكذا بقية المذاهب والمحاضن الإسلامية، بل وأوسع من ذلك فقد كانت الأوقاف من أهم الحلول الاقتصادية للكوارث والأزمات الإنسانية التي تمر بها الأمة، حتى ضعف الاهتمام بهذه الرافد المهم، وبدأ ينحسر دوره لأسباب كثيرة، ولا بد للأمة من عودة رشيدة للاهتمام بمثل هذه الأعمال التي ظهرت منافعها، وتعلم الأحكام المتعلقة بها.

ومن أبرز الأحاديث النبوية التي يعتمد عليها الفقهاء في تفريعاتهم في باب الوقف هو حديث عمر بن الخطاب الآتي ذكره، فقد اشتمل على بيان حقيقة الوقف، وفضله على سائر أعمال الخير، وحرمة التصرف في أعيانه ببيع أو هبة أو إرث، وبيان مصارفه وجهاته التي هي أعمال البر عموما، مع بيان ما يحل للناظر على الوقف وما يحرم.

في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول قال: فحدثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثِّل مالا».

أولا: تعريف الوقف:

من خلال الحديث في قوله: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» يتبين أن تعريف الوقف هو: حبس الأصل وتسبيل المنفعة.
وبهذا يُعلم أن الوقف لا يكون إلا فيما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه؛ لأن ما لا يمكن الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه كالطعام والشراب لا يصح أن يوقف، وإنما يكون من باب الصدقات التي يؤجر عليها المتصدق مرة واحدة، بخلاف الوقف فهو من الصدقات الجارية التي يبقى أجرها ما بقي نفعها.

ثانيا: حرمة التصرف بالوقف بما يخرجه عن وقفيته:

عُلم من الحديث النبوي السابق أن الوقف لا يتصرف بأصله تصرفاً يخرجه عن حبسه ببيع أو هبة أو ميراث، وهذا الشرط من النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل رواية البخاري بلفظ: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره»، فليس ذلك من شرط عمر، وإنما هو مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا من حيث الأصل لكن الفقهاء ناقشوا مسألة متعلقة فيما يعرض على العين الموقوفة من عوارض تجعلها معطلة المنافع أو ضعفت منفعتها وفي استبداله مصلحة ظاهرة، فهل يجوز بيعه وصرف ثمنه في مثله؟ وهل يجوز استبداله لمصلحة ظاهرة؟

أقوال الفقهاء في بيع الوقف واستبداله:
ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى عدم جواز بيع الوقف واستبداله بغيره مطلقا أخذا بعموم هذا الحديث، وللإمام أحمد رواية أخرى وهو أنه لا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، ولا يمكن الانتفاع به، ولا تعميره وإصلاحه أو دعت المصلحة إلى ذلك.
وهناك رأي لشيخ الإسلام بجواز استبداله عند ظهور المصلحة، حيث يقول: ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة. أ.هـ.

ثالثا: أكل الناظر على الوقف بالمعروف:

قال الطحاوي في نخب الأفكار: دل الحديث على أن قيِّم الوقف له أن يتناول من غلة الوقف بالمعروف، ولا يأخذ أكثر من حاجته، هذا إذا لم يعين الواقف له شيئًا معينًا، فإذا عَيَّنَهُ، له أن يأخذ ذلك قليلًا أو كثيرًا. أ.هـ.
والمقصود بقوله: «بالمعروف» ما جرت به العادة، كما يقررون مثل هذا في ولي اليتيم عند قوله تعالى «ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف»، فما تعارف الناس عليه أنه من الأكل بالمعروف فهو الذي يباح للناظر. 
قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الواقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة. وقيل: القدر الذي يدفع الشهوة. وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى. أ.هـ وقوله «غير متمول» قال الحافظ: والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها.
وقوله «متأثل» أثلة الشيء أصله فالمتأثل من يجمع مالا ويجعله أصلا كأن يتخذ من مال الوقف رأس مال, فيتجر فيه.

رابعا: الالتزام بشرط الواقف:

من خلال الحديث يتبين جواز تحديد الواقف مصرفا لريع وقفه، وله الحق في صرفه لمن يشاء ما لم تكن معصية، أما ما دام في دائرة القربة وأعمال البر فنص الواقف مقدم، ويجب مراعاته والوفاء به.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: إن قَصْدَ الواقف يراعى بحيث إذا حدد طريقة صرف الوقف فإن ذلك يعتبر، أو عُرِف مقصده بأن جرت العادة في زمنه بأشياء مخصوصة، فينزل عليها لفظ الواقف. اهـ
وهل يجوز تغيير شرط الواقف لما هو أظهر مصلحة وأكثر ثوابا للواقف؟
قال بهذا القول بعض العلماء كابن تيمية، فيراعى في الوقف ظهور المصلحة، وكثرة الثواب، ولو أدى إلى مخالفة شرط الواقف.
قال الشيخ تقي الدين: يجوز تغيير شرط واقف لما هو أصلح منه، فلو وقف على فقهاء أو صوفية واحتيج للجهاد صرف للجند. اهـ. 

www.islamweb.net