الحسن البصري.. وأهل القرآن

06/04/2020| إسلام ويب

روى الإمام ابن ماجة في سننه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إن لله أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله: من هم؟ قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته](صححه الألباني).

وأهل القرآن عند الحسن البصري هم الذين يتلونه حق تلاوته، وهم العالمون به العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب.. قال المبارك بن فضالة: قال الحسن في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}: "يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه".
ومن كلامه رحمه الله: "إن أحق الناس بهذا القرآن من عمل به وإن كان لا يقرؤه". يعني لا يحفظه.

وقال أيضا: "إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، ولم يأتوا الأمر من قبل أوله. قال تعالى {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته}، وما تدبر آياته إلا اتباعه، والله يعلم، أما والله، ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله، فما أسقطت منه حرفا، وقد ـ والله ـ أسقطه كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس، ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء، ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القراء تقول مثل هذا؟ لا كثر الله في الناس من هؤلاء"(الزهد لابن المبارك:274)

وكان يأمر القراء بالتزام القرآن وبتدبر آياته فيقول: "الزموا كتاب الله، وتتبعوا ما فيه من الأمثال، وكونوا فيه من أهل البصر".
وقد نقل النووي عن الحسن في آداب حملة القرآن قوله: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها بالنهار" (التبيان في آداب حملة القرآن29)
فليس المقصود مجرد القراءة.. كما قال رحمه الله: "أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملا"... قال ابن الجوزي: "يعني انهم اقتصروا على التلاوة وتركوا العمل به"(تلبيس إبليس:137).

وصاحب القرآن عند الحسن قد فاق غيره بما أنعم الله عليه من حفظ كتاب الله، فلابد أن يكون أحسن منهم عملا.. يقول الحسن البصري: "الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل". ويقول الحسن: "إن من شر الناس أقواما قرؤوا القرآن لا يعملون بسنته، ولا يتبعون طريقته، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"

أصناف القراء
والذين يقرؤون القرآن عند الحسن رحمه الله أصناف، فقد جاء عنه قوله: "قراء القرآن ثلاثة أصناف: فصنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوه حدوده، واستطالوا به على أهل بلادهم، واستدروا به الولاة، كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله. وصنف عمدوا إلى دواء القرآن، فوضعوه على داء قلوبهم، فركدوا به في محاريبهم، وخنوا به في برانسهم، واستشعروا الخوف، وارتدوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء، والله.. لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر".

أثر القرآن على أهله:
لا شك أن للقرآن أثرا على نفس صاحبه وبدنه، كما أن له أثرا على روحه وقلبه.
يقول الحسن: "إن الرجل إذا طلب القرآن والعلم لله لم يلبث أن يرى ذلك في خشوعه وزهده وحلمه وتواضعه". ويقول: "والله لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل، وإلا نصب وإلا ذاب وإلا تعب". ويقول: "والله يا ابن آدم لئن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حزنك". وقال: "والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان". وقال: "والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه، وقل ضحكه، وكثر نصبه وشغله، وقلت راحته وبطالته"
وذلك لما يجد في القرآن من دلائل وإشارات تذكر الآخرة، وتخوف بالله ومن عصيانه ومن أليم عذابه وعقابه، وتدعو لطاعته وعدم التفريط، ولعظم ما ينتظر الإنسان في الآخرة من أهوال ومهالك لا ينجو منها إلا من عصم الله ورحم.

القرآن شافع لأصحابه
يقول الحسن رحمه الله: "ما بقي في أيدينا بقية غير هذا القرآن، فاتخذوه إماما، وائتمنوه على أنفسكم، واستغشوا عليه أهواءكم، واعلموا أنه شافع مشفع، وماحل مصدق. من يشفع له القرآن يوم القيامة يشفع فيه. ومن محل به صدق عليه، ايم الله إن من شرار هذه الأمة أقواما قرؤوا هذا القرآن جهلوا سنته وحرفوه عن مواضعه. وإن أحق الناس بهذا القرآن من عمل به وإن كان لا يقرؤه".
وقال أيضا الحسن: "القرآنَ القرآنَ.. فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، والله ما دون القرآن من غنى، وما بعد القرآن من فقر".

القرآن شفاء
يقول الحسن: "أيها الناس إن هذا القرآن شفاء المؤمنين، وإمام المتقين، فمن اهتدى به هدى، ومن صرف عنه شقي وابتلي".
قال: الآجري: "القرآن عصمة لمن اعتصم به، وحرز من النار لمن اتبعه، ونور لمن استنار به، وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين"(أخلاق القرآن:2).
وهذا كله أصله في كتاب الله {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}، وكذا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اعرض نفسك على القرآن:
من أراد أن يعرف حاله ومآله فليعرض نفسه على كتاب الله، يقول الحسن: "من أحب أن يعلم ما هو، فليعرض نفسه على القرآن"(الزهد لابن المبارك:13)
ويقول أيضا: "رحم الله عبدا عرض نفسه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله حمد الله، وسأله الزيادة، وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب".
وقال أيضا: "إن المسلمين شهود الله في الأرض، يعرضون أعمال بني آدم على كتاب الله، فما واطأ كتاب الله حمدوا الله عليه، وما خالف كتاب الله عرفوا بهذا القرآن ضلالة من ضل من خلقه، وإن من أشرار الناس أقواما قرؤوا هذا القرآن، لا يعلمون السنة، وإن أحق الناس بهذا القرآن من تبعه بعمله، وإن كان لا يقرأ".
في السنة لعبد الله بن أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله عز وجل فليعرض نفسه على القرآن فإن أحب القرآن فهو يحب الله، فإنما القرآن كلام الله عزو جل"

لذة القرآن:
قال الحسن: "تفقدوا الحلاوة في ثلاث: في الصلاة، في القرآن وفي الذكر، فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، وإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق".
وربما كانت هذه لذة العبودية الي عنها يقول ابن تيمية: "إن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص به لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ، ولا أطيب"(الفتاوي:10/178) وقال أيضا: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".
وبعده قال تلميذه ابن القيم: "في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه، .. إلخ"

القرآن وعلاج قسوة القلب:
قال ابن القيم: "ما ضرب عبد بعقوبة أعظم ممن قسوة القلب والبعد عن الله" (الفوائد:97).
إن قسوة القلب بلاء خطير وشر مستطير، فهي التي تمنع العبد من التأثر بالآيات المشاهدة والآيات المقروءة والمسموعة، وعلاج هذه القسوة بالتوبة وكثرة الذكر وتلاوة القرآن. قال ابن القيم: في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله
جاء رجل إلى الحسن فقال: "يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي. قال: أذبه بالذكر".
وقال الحسن: "يا ابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر سورتك؟"

ذم من يريد الدنيا بالقرآن لا يريد غيرها:
يقول الحسن: كنتُ أمشي مع عِمرانَ بنِ حُصَينٍ - أحَدُنا آخِذٌ بيَدِ صاحِبِه - فمَرَرْنا بسائلٍ يَقرَأُ القُرآنَ، فاحتبَسَني عِمرانُ وقال: قِفْ نَستمِعِ القُرآنَ، فلمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فقال عِمرانُ: انطلِقْ بنا؛ إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: [اقرَؤوا القُرآنَ، واسأَلوا اللهَ به؛ فإنَّ مِن بعدِكم قَومًا يَقرَؤونَ القُرآنَ يَسأَلونَ النَّاسَ به]. (رواه أحمد في المسند وحسنه الأرناؤوط لغيره)

وفي المسند وسنن البيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه سلم: [تَعَلَّموا القُرآنَ، واسأَلوا اللهَ به قبْلَ أنْ يَتعلَّمَه قومٌ يسأَلونَ به الدُّنيا؛ فإنَّ القُرآنَ يَتعلَّمُه ثلاثةُ نَفَرٍ: رجُلٌ يُباهي به، ورجُلٌ يستَأْكِلُ به، ورجُلٌ يَقرَؤُه للهِ عزَّ وجلَّ].

فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلا القرآن حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهدا وشفيعا وأنيسا وحرزا، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة، وكان من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته... اللهم اجعلنا منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
التبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
أخلاق حملة القرآن للآجري.
وصايا الحسن لأهل القرآن للنايلي.

www.islamweb.net