ليْسَ كَمِثْلِهِ شيء

09/09/2021| إسلام ويب

الله عز وجل ليس كمثله شيء، فإنه سبحانه الكامل في صفاته الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، ولذلك نفى الله جل وعلا عن نفسه النظير والمثيل في كتابه بألفاظ كثيرة ومتنوعة، ومن ذلك قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11).

قال القرطبي: "والذي يُعْتقد في هذا الباب أن الله جلَّ اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحُسْنى أسمائه وعَليِّ صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يُشبه به {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مُشبهة للذوات، ولا مُعَطّلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ.. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضي الله عنهم".
وقال ابن كثير: " {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له".
وقال السعدي: "{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأنَّ أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعَظمة، وأفعاله تعالى أوْجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارِك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه. {وَهُوَ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. {الْبَصِيرُ} يرى دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جدا، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المُشَبِّهَة في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وعلى المُعَطِّلة في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}".

كل ما اتصف الله عز وجل به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خَلْقِه، والنص ـ من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ـ إذا ورد بإثبات صفة من الصفات وجب الإيمان به، والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابَهة بينه وبين صفات المخلوقين. قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "وهذا الذي أخبرنا به سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى:11) ونحوها، أي: أن الله عز وجل مُنَزَّه عنْ أن يكون له مثل في شيء مما يوصف به من صفات كماله، لأن مماثلة المخلوق من أعظم النقص الذي يجب أن يُنَزَّه الله عنه". والذي عليه أهل السنة والجماعة، هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنزيهه عز وجل أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات خَلْقِه. يقول ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11)، فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على أهل التمثيل، وقوله: {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رد على أهل التعطيل". وقال أيضا ـ ابن تيمية ـ في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح": "فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه التمثيل".
وقال ابن القيم: "قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إنما قصد به نفي أن يكون معه شريك أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، كما يفعله المُشبهون والمشركون، ولم يقصد به نفي صفات كماله، وعلوه على خلقه، وتكلمه بكتبه، وتكلمه لرسله، ورؤية المؤمنين له جهرة بأبصارهم كما ترى الشمس والقمر في الصحْو".
وقال أبو بكر الخلال في كتاب "السُنَّة": "أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قيل له: ولا يشبه ربنا شيئًا مِن خَلْقِه، ولا يشبهه شيء من خلقه؟ قال: نعم، ليس كمثله شيء".

الله عز وجل لا يحيط به عقل ولا يتخيله ذِهْن، فهو أعظم من كل شيء، 
وهو سبحانه مُنَزَّه عن الأشباه والأنداد، فليس له شبيه ولا نِد، كما قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:22)، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}(مريم:65)، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(الإخلاص:4). وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:11)، ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. وأهل السنة يثبتون كل ما أثبته الله عز وجل لنفسه أو أثبته له رسولُهُ صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات على الوجه اللاَّئق به سبحانه. وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فكما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات، لأنه سبحانه لا سَمِيّ له، ولا كُفْء له ولا نِدَّ له، ولا يُقاس بخَلقه.. وقد جمع الله عز وجل النفي والإثبات في آية واحدة في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فهذه الآية تضمنّتْ تنزيه الله من مُشابَهةِ خلقه: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، نَقَلَها عنهم ـ قديما وحديثا ـ الأئمةُ والعلماء في كتبهم وشروحهم. قال الشيخ ابن باز: "ومن الإيمان باللَّه أيضا الإيمان بأسمائه الحُسْنى وصفاته العُلى الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كَيْف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف للَّه عزَّ وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11)".

أهل السُنة يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحرفون الكلِم عنْ مواضعه، ولا يُلحدون في أسمائه وصفاته وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). 

www.islamweb.net