لَصَوْتُ أبي طلحة في الجيش خيْرٌ مِنْ ألفِ رَجُل

07/05/2023| إسلام ويب

الناس ألفٌ منهم كواحد، وواحدٌ كالْأَلْف، فمَنْ هو ذلكم الصحابي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (صوته في الجيش أفضل من ألف رجل)، وكان إسلامه مهراً لزوجته، وبعد موته لم يتغير جسده، ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحُد دفاعاً شديداً، وهو القائل: "نحري دون نحرك يا رسول الله"؟.. إنه الصحابي الجليل: أبو طلحة الأنصاري ـ زيد بن سهل بن الْأسود ـ من بني مالك بن النجار من الْخَزْرَج رضي الله عنه.
قال ابن الأثير: "أبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود، لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. مِن الرماة المذكورين من الصحابة، وهو من الشجعان المذكورين، وله يوم أحد مقام مشهود، كان يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرمي بين يديه، ويتطاول بصدره ليقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نحري دون نحرك، ونفسي دون نفسك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل). وقتل يوم حُنين عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم". وقال القاضي عياض: "وأبو طلحة هذا هو عم أنس بن مالك، زوج أم سليم، أنصاري نجاري خزرجي بدْري، أحد الفقهاء، قال صلى الله تعالى عليه وسلم عنه: (صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة)". وقال عنه الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء": "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفاً (النيف من واحد إِلى ثلاثة) وعشرين حديثاً، منها: في الصحيحين حديثان. وتفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث".

إسلامه مَهْر زوجته:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء أبو طلحة فخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك، فقال: ما ذاك مهرك؟ قالت: وما مهري؟ قال: الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء.. أريد منك الإِسلام، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، قال: فمَن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق أبو طلحة يريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه فلمّا رآه قال: جاءكم أبو طلحة غُرَّةُ (نور) الإِسلام بين عينيه، فأخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، قال ثابتٌ وهو الْبُنَانِيُّ أَحَدُ رواة القصة عن أنس: فما بلغنا أنّ مَهْراً كان أعظم منه، أنها رَضِيَتِ الإسلام مَهْراً) رواه البخاري.

بذله وإنفاقه:
قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(آل عمران:92): "روى وكيع في تفسيره عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} قال: البر الجنة. وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرُحاء (حَدِيقة) ـ وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ـ، قال أنس: فلما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيْرُحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعْها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) أخرجاه البخاري ومسلم".

موقفه في غزوة أحد:
شهِد أبو طلحة رضي الله مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد والغزوات كلها، ويوم بدر أبلى بلاء حسنا، وفي غزوة أحد كان له موقف عظيم في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته. عن أنس رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد انهزم نَاسٌ من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي مجوّب عليه بجحفة له (الترس الذي يتقي به المقاتل)، وكان أبو طلحة رجلا رامياً شديدَ النزع (الرمي بالقوس)، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه جعبته (وعاء السهام) فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: انثرها (أعطها) لأبي طلحة، ويشرف (يَطلع مِن فوْق) النبي ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري (صدري) دون نحرك) رواه البخاري. "نحري دون نحرك": جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك لِأُصاب بها دونك.
صوته في الجيش:
عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن إعجابه بشجاعة أبي طلحة رضي الله عنه فقال: (لَصَوْتُ أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة) رواه أحمد. وفي رواية للطبراني وصححها الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَوْتُ أبي طلحةَ في الجَيْشِ خيرٌ من أَلْفِ رجل). قال الصنعاني: "(صوت أبي طلحة) المراد صوته الجهوري، (في الجيش) قيده به لأن الصوت الجهوري في غير الجيش مذموم، أو لأن هذه الفضيلة تختص به فيه. (خير من ألف رجل) لما فيه من إنزال الرعب بالعدو".
حرصه على الجهاد ووفاته:
تُوفي أبو طلحة رضي الله عنه عام 34 للهجرة الموافق 667 م، وقد عاش 77 عاماً، ومع كِبَر سِنِّه رضي الله عنه كان حريصاً على الجهاد في سبيل الله، قال ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة:41): "قال علي بن زيد، عن أنس، عن أبي طلحة: كُهولا وشباناً.. ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قُتِل. وفي رواية: قرأ أبو طلحة سورة براءة (التوبة)، فأتى على هذه الآية: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فقال: أرى ربَّنَا يستنْفِرُنا شيوخاً وشباباً، جهزوني يا بَنِيَّ، فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوتَ مع رسول الله حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبَىَ، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه بها"، وروى ذلك السيوطي في "الدر المنثور في التأويل بالمأثور"، والبيهقي في سننه، وذكره ابن سعد في "الطبقات" وغيرهم.

أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضَلُ البَشرِ بعدَ الأنبياءِ والمُرسَلين، لِمَا لهم مِن صِفاتٍ ليستْ لغَيرِهم، ومن هذه الصِّفات: الشَّجاعَة والإقْدام، والبذل والعطاء، وحب الجهاد في سبيل الله.. إلى غير ذلك من الصفات التي تَرَبَّوْا عليها في الإسلامِ على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد ترجم هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم حب النبي صلى الله عليه وسلم وما رباهم عليه ترجمة عملية، فبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله، وكان لسان حالهم ومقالهم عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم:
هو المُقَّدم في نفسي على نفسي وأهل بيتي وأحبابي وخِلاني
وأبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه أحد هؤلاء الرجال الذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في السيرة النبوية والتاريخ مواقف جليلة، ومنها موقفه يوم أحد، وشدة دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "بأبي أنت وأمي (فداك أبي وأمي).. نحْري (صدري) دون نحرك (صدرك) يا رسول الله".. وهو الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم بنصف شعره حين حلق في الحج. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حَلق شَعْره بمِنَى فرَّق شقه الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين، وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله) رواه مسلم. وهو الذي حفر قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحَّد له بعد موته.. وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ مِنْ ألفِ رَجُل). 

www.islamweb.net