كنتُم خيْر أمَّة أخْرِجَت للناس

31/08/2025| إسلام ويب

مِنْ فوائد دراسة السيرة النبوية معرفة خصائص وفضائل نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، التي أكرمه الله عز وجل بها دون غيره مِنَ الأنبياء والرُسل، تشريفاً وتكريماً له، مما يدل على عظيم قَدْرِه، وعلو منزلته عند ربه سبحانه، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}(البقرة: 253). قال السمعانيّ: "{وَرفع بَعضهم دَرَجَات} يَعْنِي: مُحَمَّدًا". وقال السعدي: "يخبر تعالى أنه فضَّل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس، ودعائهم الخَلق إلى الله، ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة والنفع العام، فمنهم من كلمه الله كموسى بن عمران خصه بالكلام، ومنهم مَنْ رفعه على سائرهم درجات، كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، وجمع الله له مِنَ المناقب ما فاق به الأولين والآخرين".
ومِنْ جملة الخصائص والفضائل التي أكرم الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أن جعل أمته خير الأمم وأحسنها وأفضلها، واختصها بخصائص وكرامات كثيرة في الدنيا والآخرة، وذلك إكراماً وتشريفاً لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(آل عمران:110). قال البغوي في "تفسيره" والواحدي في "أسباب النزول": "قال عِكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهودا قالا لهم: نحن أفضل منكم، وديننا خير مما تدعوننا إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيتُ ما لم يُعْط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نُصِرْتُ بالرعبِ، وأُعطيتُ مفاتيح الأرض، وسُميتُ أحمد، وجُعلَ الترابُ لي طهوراً، وجُعلت أمّتي خير الأمم) رواه أحمد. وعن معاوية القشيري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّكُم وفَّيتُمْ سبعين أمّة، أنتُمْ خيرها، وأَكْرمُها على اللَّه) رواه ابن ماجه. وفي رواية لأحمد: (أنتُمْ توفون (تكملون) سَبعين أمَّة، أنتُمْ خيرُها وأَكْرمُها على اللَّه).

الأمة الإسلامية آخر الأمم زمانا وأعظمها مكانة:
أمتنا الإسلامية وإنْ كانت آخر الأمم زمانا في الدنيا، فهي سابقة لهم في الفضل والمنزلة، وهي شاهدة على جميع الأمم، وشريعتها وكتابها لا يُنسخان إلى يوم القيامة، وكل الأمم مأمورة أن تدخل في دينها، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}(آل عمران:85)، قال السعدي: "أي: مَنْ يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه فباطل".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا من بعدهم) رواه البخاري. قال ابن حجر: "والمراد أنَّ هذه الأمة وإنْ تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول مَن يُحشر، وأول مَنْ يحاسَب، وأول مَنْ يقضى بينهم، وأول مَنْ يدخل الجنة". وقال القاضي عياض: "قوله: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) قيل: الآخرون في الزمان السابقون بالفضل، وأول من يقضى بينهم يوم القيامة، ويدخل الجنة قبل سائر الأمم". وقال ابن الجوزي: "نحن الآخرون في الزمان، السابقون في دخول الجنة". وقال ابن رجب: "قوله: (نحن الآخرون) يعني: في الزمان، فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم. وقوله: (السابقون) يعني: في الفضل والكرامة على الله، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران: 110)"..

الخصائص والفضائل التي أكرم الله تعالى بها أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، والتي ليست لغيرها من الأمم، والثابتة في الأحاديث النبوية الصحيحة كثيرة، ومنها: أنها خير الأمم، وأنها أمة التيسير ورفع الحرج، وقد تجاوز الله عنها في الخطأ والنسيان، وجعل الله لها الأرض مسجدا وطهورا، وجعلها أمة محفوظة من الهلاك والاستئصال، واختصها وأكرمها بيوم الجمعة وما فيه من فضائل، وجعلها أمة لا تجتمع على ضلالة، وجعل أهلها شهداء له في الأرض، وجعل صفوفهم كصفوف الملائكة، وبفضله سبحانه يجزيهم على العمل القليل بالأجر كثير، وفي يوم القيامة يكونوا غُرَّاً مُحجلين مِنْ آثار الوضوء، وهم أول مَنْ يجتاز الصراط يوم القيامة ويدخل الجنة، وهم أكثر أهل الجنة..وينبغي أن يُعلم أن الأمة الإسلامية الموصوفة بالخيرية هي التي تحقق الشرط المذكور في الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}(آل عمران:110)، قال السيوطي في (الدر المنثور): "أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السُدي في الآية قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم فكنا كلنا، ولكن قال: {كُنْتُمْ} في خاصة أصحاب مُحمد صلى الله عليه وسلم ومَنْ صنع مثل صنيعهم، {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. وأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قال: ذُكر لنا أَن عمر بن الْخطاب قَرأ هذه الآية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: يا أَيها النَاس مَنْ سرّه أَن يكون مِنْ تلكم الْأمة فليؤدِّ شرط الله منها. وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجاهد في قوْله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يَقُول: على هَذَا الشَّرْط أَن تأمروا بِالْمَعْروف، وتنهوا عَن الْمُنكر وتؤمنوا بِاللَّه"..
إن فترات الضعف والوهن والتقصير التي تمر بأمتنا الإسلامية لا ينفي أنها أفضل الأمم، وأنها خير أمة، ولذلك قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. وهكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، والربيع بن أنس، وعطية العوفي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يعني: خير الناس للناس. والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال: {تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: خيارا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(البقرة:143). وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم، من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأنتم أكرم على الله عز وجل)، وهو حديث مشهور، وقد حسنه الترمذي، ويروى من حديث معاذ بن جبل، وأبي سعيد الخدري نحوه.. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خَلْق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبيا قبله ولا رسولا من الرسل. فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه"..

مِن الخصائص والفضائل التي أكرم الله الله عز وجل بها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم: أن جعل أمته خير الأمم، وفضلها بفضائل كثيرة في الدنيا والآخرة لم تعطها غيرها من الأمم، وإنما نالت الأمة المحمدية هذه الخيرية وهذا الفضل والتكريم لمكانة نبينا صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه عز وجل، وبما استودعه الله فيها من صفات الخيرية التي نصت عليها الآية الكريمة في قول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(آل عمران:110). فهي أنفع الناس للناس، بما تقوم به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبما استقر في نفوسها من إيمانها الصحيح بالله عز وجل، وتشرفها بإيمانها واتباعها للنبي مُحمد صلى الله عليه وسلم، خاتَم وإمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خَلْقِ الله أجمعين.. 

www.islamweb.net