
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الأعياد مواسم للتقرب إليه، وأوقاتاً لتطهير القلوب، ومحو السيئات، وزيادة الحسنات، نحمده تعالى ونشكره على نعمه الجليلة التي لا تُعد ولا تُحصى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله، عيد الأضحى مناسبة عظيمة يجتمع فيها المسلمون على طاعة الله، ويعيشون أجواءً من البركة والرحمة والتسامح، وهي أيام معدودات أمرنا الله فيها بالذكر والطاعة، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ} (البقرة:203). وهي أيام للتآزر بين المسلمين، وتقوية الروابط الاجتماعية، وإحياء سنة الخليل إبراهيم عليه السلام في التضحية والنية الخالصة لله.
أيها المسلمون، هذه المناسبة تتجلى فيها حكمة الله في تربية القلوب على الصبر والطاعة، وتعليم المسلمين معاني الإيثار والرحمة، فالتضحية التي أمر الله بها ليست مجرد ذبح، بل هي امتثال لأمر الله، وتقرب إليه بالقلب والبدن، وتجسيد لحب الله والاعتراف بنعمته. وما أطيب أن يعيش المسلم في هذا اليوم مشاعر التقوى، ويفكر في نعم الله عليه، ويستحضر في قلبه معاني الإيمان والصبر والإخلاص.
إن ذكر الله في هذه الأيام، ورفع التكبير، يجدد الروح ويطهر النفس ويزيد القرب من الله عز وجل، فالمسلم يعيش حياته بهذه الروح، ويستثمرها في زيادة الطاعات، وإصلاح النفوس، وتطهير القلوب، وصدق القول والعمل.
أيها المؤمنون، إن عيد الأضحى يذكِّرنا كذلك بتاريخنا الإسلامي المجيد، ويعيد إلى أذهاننا مواقف الأنبياء والصالحين، الذين ضحوا وابتغوا مرضاة الله. إنها مناسبة للتأمل في سير الأجداد وأثرهم في تثبيت دين الله، وفرصة لتجديد العهد مع الله على الطاعة والإخلاص، والتفكر في أحوال الأمة الإسلامية، وكيفية دعمها ورفع شأنها بين الأمم، والحرص على تحقيق وحدتها، والسعي لإعلاء كلمة الله في الأرض.
وفي هذه الأيام، ينبغي للمسلم أن نتذكر أن الله تعالى قد رفع قدر الشعائر وأمر بتعظيمها، فقال: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32). فكل عبادة وطاعة تُؤدى على الوجه الأكمل فيها مصلحة للفرد والأمة، وأن من أراد رضا الله فليحرص على حسن أعماله، وصدق نيته، والإخلاص في الطاعات، فإن ذلك سبيل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
معاشر المسلمين، من أبرز ما يكتسبه المسلم من هذه الأيام المباركة هو التوبة النصوح وتجديد العهد مع الله، والنية الصادقة لترك المعاصي والبدع، والالتزام بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل تفاصيل الحياة. فالعيد هو فرصة للمراجعة الذاتية، وتصفية القلب من الكراهية والحقد، والانطلاق بروح جديدة من الطاعة والمحبة والإخلاص، فالقلوب الطيبة هي من يثمر فيها الخير طوال العام، ويستمر أثر العبادة والذكر فيها حتى بعد انتهاء الموسم .
فلنجعل هذه الأيام المباركة محطة لتجديد العهد مع الله تعالى جل وعلا، وتجديد الحب للرسول الأمين صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ولنحرص على أن تكون حياتنا انعكاساً صادقاً لهذه التعاليم، في سلوكنا ومعاملاتنا، وفي علاقتنا بالله وبالناس جميعاً.
أقول ما سمعتم...وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية
عباد الله: عليكم بتقوى الله في السر والعلن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
معاشر المسلمين، إن أيام عيد الأضحى فرصة عظيمة لتقويم النفس ومراجعة الأعمال، فتأملوا معاني الحج والوقوف بعرفات، وتفكروا في رحمة الله التي وسعت عباده، وفي فضل التضحية والتقوى. واعلموا أن الهدف الأسمى من الشعائر هو تقوى الله في السر والعلن، والحرص على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب الحياة.
إن عيد الأضحى يذكّر المسلم بمبادئ الإيمان: التوحيد، والطاعة، والاعتراف بفضل الله، والتفكر في نعم الله، وعظمة الشكر له على كل نعمة. وهو أيضاً فرصة لتعليم لغرس الإيمان في النفوس، وتربيتها على الصبر والتحمل والتعاون، والالتزام بسنن الله، والتواصل مع الأسرة والمجتمع بروح من الرحمة والمودة.
أيها الكرام، يجب على المسلم أن يسعى إلى أن يعيش آثار هذا العيد في حياته اليومية، فلا تقتصر عبادته على أيام محددة، بل تمتد لتشمل كل أفعاله وأقواله في حياته، فليجعل أيامه مذكّرة بالله، وقلبه ممتلئا بالشكر والرضا، ولسانه موصولاً بذكر الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم.
إن مناسك الحج التي يؤديها المسلمون في هذا الموسم، وما فيها من شعائر، تبعث في النفس دروساً عظيمة، فهي تربي على الصبر، وتظهر الرحمة والتعاون بين المسلمين، وتؤكد أن الإسلام دين جماعة ووحدة. ومهما اختلفت الظروف والأزمان، تبقى هذه الشعائر راسخة في قلوب المؤمنين، تعيد لهم شعور الانتماء والدين، وتجدد العزم على السير على الطريق المستقيم، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور.
عباد الله: اعلموا أن هذه المناسبة العظيمة لا تكرر إلا مرة في العام، فلنغتنمها بالصالحات، ولنحرص على أن تكون الأعمال مقبولة، والنيات خالصة، والقلوب مخلصة لله عز وجل.
وصلُّوا على نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.