خطبة عيد الأضحى المبارك

19/11/2025| إسلام ويب

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،  الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً.

أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء:131).

معاشر المسلمين: إنَّ كلَّ عاقلٍ منصف يشهد بالله أنَّ السلام الحقيقي، والانسجام القلبي والروحي، والتعاون على البر والتقوى، لا وجود له في الواقع إلا بالإسلام، ومنهجِه الرباني، وما بثَّه في البشرية من نور وهداية. والبشرية اليوم -وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية والنزاعات الوحشية- أحوج ما تكون إلى أن تُخلِّص نفوس أبنائها من الأنانية، وأن تُطهِّرها من البغضاء والشحناء، لترتقي إلى أفق الإسلام، فتتعلّم البشرية الحياة بسلامٍ، كما أراد الله لعباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة:208). إنّه ليس هناك دوافع حقيقية تحمل الناس على أن يعيشوا متناكرين، بل إن الدواعي إلى التعارف، وسلوك الطريق الحق، أظهرُ وأقوى. وذلك مما يهيّئ للمسلمين مجتمعًا متكافلًا، تسوده فيه المحبة، ويعمّه الأمان . وقد أرجع الله سبحانه أنساب الناس وأجناسهم إلى أصلين اثنين، ليجعل من هذا التنوع البشري مجالاً رحباً، تتشابك عنده الصلات، وتستوثق من خلاله العُرى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات:13). إنه التعارف لا التنافر، والتعاون لا التخاذل؛ فالأرض أرض الله، والخلق كلهم عباده، وليس ثَمَّ ميزان تُوزن به القيم، ويُعرف به فضل الناس، إلا ميزان التقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13).

عباد الله: التوحيد هو لباب الرسالة السماوية كلها، وهو عمود الإسلام وشعاره الذي لا ينفك عنه، وهو الحقيقة التي ينبغي أن نغار عليها ونصونها من كل شائبة، فالتوحيد وسيلة كل نجاح وشفيع كل فلاح، ما شيد ملك إلا على دعائمه، ولا زال ملك إلا على قواصمه، ما عزت دولة إلا بانتشاره، ولا زالت وذلت إلا باندثاره، ألا وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام وأشد البلايا التي حلت بها إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم إلا بسبب ضعف التوحيد، وما تأريخ التتار عن المسلمين بغائب، حيث بلغ الضعف في نفوس كثير من المسلمين آنذاك مبلغاً عظيماً؛ بسبب ضعف التوحيد. 

أيها المسلمون: لقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد، حتى لم يعرفوا حق الله وحق العبد، ومزجوا بعض ما لله فجعلوه للعبد، حتى انحاز بعضهم إلى أصحاب القبور، وتضرعوا أمام أعتابها، وتمسحوا بها، واستغاثوا بأهلها بالشدائد والكروب، بل قد طاف بعضهم بالقبور كما يطاف بالكعبة المعظمة.

لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستحوذت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز يعلقها عليه وعلى عياله؛ بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنعام:17).

معاشر المؤمنين: اتقوا الله واجعلوا من عيدكم هذا صفحة جديدة بيضاء، يصحح من خلالها الواقع المرير، ويكشف الزيغ عن كثير من الشعارات، والنداءات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، وأن يكون الحكم لله في أرضه، وأن تكون الهيمنة في جميع شؤون الحياة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:50).

أيها المسلمون: إن أردتم السعادة والفلاح فأصلحوا نفوسكم من داخلها، ونقوا وسائل المجتمعات من شوائبها، ولا سيما الإعلام، لأنه سلاح ذو حدين، فالله الله أن يُرى فيه ما يحلق الدين، أو ما يضلل الناس، أو يكون سبباً في البعد عن الحقائق، ونشر الكذب والدجل، والتضليل على الشعوب والمجتمعات، فإن مما لا شك فيه، أن الإعلام قوام المجتمعات، وإذا أردت أن تحكم على مجتمع ما صعوداً أو هبوطاً فانظر إلى إعلامه.

عباد الله: كما أنه ينبغي علينا جميعاً أن نصحح أوضاعنا تجاه المرأة المسلمة، وأن نتفطن للأيادي العابثة، والقفازات الزائفة، والتي تتربص بها ليل نهار لتخرجها من نطاقها المرسوم لها حتى تكون فريسة لذوي الشهوات المسعورة، والمطامع المشبوهة.

ولنحرص جميعاً على تبيين اهتمام الإسلام بالمرأة، وبيان عظم دورها في المجتمع، فقد رعا حقها بنتاً، ورتب الأجر الجزيل على من عال جاريتين، ورعا حقها زوجة، فجعل لها من الحق مثلما للرجل وللرجل عليها درجة، ولم يجعل عقد الزوجية عقد استرقاق للمرأة ولا عقد إهانة واتفاق، إنما هو عقد إكرام واتصال بالحلال.

كما أحسن الإسلام في الوقت نفسه إلى المرأة أماً فقدم حقها على حق الأب، ثلاث مرات في البر، بل أكد النبي صلى الله عليه وسلم حق المرأة المسلمة وذلك في حجة الوداع بقوله: (فاتقوا الله بالنساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم.

معاشر المؤمنين: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر وهو عيد الأضحى والنحر، واعلموا أن للأضحية شروطاً ثلاثة:

الأول: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً، وهو خمس سنين للإبل وسنتان في البقر، وسنة كاملة في المعز، وستة أشهر في الضأن.

الثاني: أن تكون سالمةً من العيوب، التي نهى عنها الشارع، وهي أربعة عيوب، العرجاء التي لا تعانق الصحيحة في الممشى، والمريضة البين مرضها، والعوراء البين عورها، والعجفاء: وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وكلما كانت أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.

الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد، وهو الفراغ من صلاة العيد، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد، فصارت الأيام أربعة.

ومن كان منكم يحسن الذبح فليذبحها بنفسه، ومن لا يحسنه فليوكل غيره ممن يحسنه، وليرفق بالبهيمة، وليرح أحدكم ذبيحته، وليحد شفرته، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، حتى في ذبح البهيمة، ثم ليسمي أحدكم عند ذبحها، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان أو فلانة، ويسمي صاحبها. ويُسن لصاحب الأضحية أن يأكل منها، ويُهدي، ويتصدق.  

أقول ما سمعتم...وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.

الخطبة الثانية

عباد الله: عليكم بتقوى الله في السر والعلن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

أيها المسلمون: اعلموا أن الله سبحانه لم يشرع لأمة الإسلام في السنة إلا عيدين اثنين، هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وبهذا يُعلم أن ما يفعله البعض، من التقليد الأعمى للأمم الأخرى من خلال التشبه بأعيادهم ومناسباتهم وإقامتها في بلاد المسلمين، فإن هذا من الأعياد المحدثة التي لم يأذن بها الشارع الحكيم، بل حرمها.

ورأس أسباب التحريم: هو أنه من الإحداث في الدين، وفي الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ) متفق عليه. ناهيكم عن كونه تشبهاً في أخص الشعائر وهي الأعياد، وقد جاء النهي عن التشبه بهم، (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود

إضافة إلى كونها تسلب استقلالية المسلمين وعزتهم وتمسكهم بدينهم على وجه المسارقة والتدرج، وأمة الإسلام يجب أن تكون متبوعة لا تابعة، وقائدة لا مقادة، ورضي الله عن ابن مسعود حيث يقول: "أنتم أشبه الأمم ببني اسرائيل سمة وهدياً، تتبعون عملهم، حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أما لا".

الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!

ألا وصلُّوا على نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. 

www.islamweb.net