المسلمون في اسبانيا

01/07/2003| إسلام ويب

تزايدت أعداد المسلمين في اسبانيا في السنوات الأخيرة حتى اصبحوا جالية كبيرة لها مكانتها ، خاصة بعد أن نشطت الهجرة من شمال أفريقيا (المغرب والجزائر) لتعبر الى اوروبا من خلال مضيق جبل طارق ، ونظرا لهذه الزيادة المطردة لاعداد المسلمين بدأ الاهتمام بإقامة المساجد وأماكن الصلاة سواء في المدن الكبرى أو في العديد من القرى الصغيرة الجاذبة للعمالة المهاجرة، وبدأت هذه المساجد تلفت الانظار إليها وتتحول إلى أماكن للقاء وتضيء أبوابها ومآذنها احتفالا بشهر رمضان الكريم، وفي أماكن وجود تلك المساجد بدأت تنتشر عادات جديدة لم تكن معروفة من قبل، مثل " موائد الإفطار، ومدارس تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين حتى لا تضيع لغتهم مع مرور الأجيال" .

هذه الظاهرة تعتبر جديدة على اسبانيا الكاثوليكية التي كانت منذ سقوط غرناطة قبل خمسة قرون وقيام دولة اسبانيا الموحدة تحت التاج الملكي الكاثوليكي لا تعترف بأي دين آخر غير «الكاثوليكية»، حتى الكنائس المسيحية الأخرى من أرثوذكية وبروتستانتينية وغيرهما من الفروع الأخرى النابعة عن الديانة المسيحية، إضافة إلى الديانتين السماويتين الأخريين الإسلام واليهودية اللتين لم يكن معترفا بهما، بل أن أفرادهما كانوا يعتبرون في حكم «الملحدين» طبقا لقوانين اسبانيا الكاثوليكية، وكان القانون يعاقب على ممارسة الطقوس الدينية طبقا لتلك الأديان، ويأمر بمصادرة أموال من يثبت ممارستهم لشعائر مخالفة للكنيسة الكاثوليكية، لذلك كان تتم ممارسة شعائر تلك الأديان سرا، أو في أحيان كثيرة تحت رقابة حكومية مشددة.

ظل هذا الوضع على حاله حتى فترة قليلة قبل موت الجنرال فرانكو وتحول اسبانيا الى النظام التعددي الديمقراطي، وتحولت اسبانيا إلى دولة علمانية لا دينية طبقا لدستور عام 1978، ومنذ ذلك الوقت اتخذت السلطات الاسبانية خطوات حثيثة نحو تحرير الحياة المدنية من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية، وبدأت بالاعتراف بحرية ممارسة شعائر الديانات الأخرى، وتم رفع الإشارة إلى ديانة المواطن الاسباني من الأوراق الرسمية.من هنا بدأ تنظيم الديانات غير الكاثوليكية في إطار قوانين تسمح باقامة أماكن العبادة لتلك الديانات المعترف بها، ومنها الدين الاسلامي، فانتشرت المساجد وأصبحت تربو على ثلاثمائة مسجد، بعضها يمتد نشاطه إلى أبعد من مجرد اقامة الصلاة واقامة الاحتفالات الدينية الموسمية، وتحولت إلى مراكز ثقافية اسلامية حقيقية، ولعل أهمها جميعا «المركز الثقافي الاسلامي بمدريد» الذي تبرع الملك فهد بن عبد العزيز ببنائه على أرض قدمتها بلدية مدريد مجانا هدية للجالية الاسلامية، ويتبع إداريا «رابطة العالم الاسلامي»، وكان الامير سلمان بن عبد العزيز قد افتتح المركز برفقة الملك خوان كارلوس الاول ملك اسبانيا يوم 24 ربيع الاول 1413 هجرية الموافق 21 سبتمبر (ايلول) 1992 ميلادية في حفل اعتبرته الجالية الاسلامية في اسبانيا بداية لنشاط اسلامي حقيقي ودعما لوجودهم في هذه البلاد. ويديره في الوقت الراهن الدكتور صالح بن محمد السنيدي الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرناطة الذي فال ان المساحة الكلية للمركزالاسلامي تزيد عن ثلاثة عشر ألف متر مربع مما يجعله من اكبر المراكز الثقافية الاسلامية في اوروبا، وهذه المساحة موزعة على خمسة طوابق، اثنان منها تحت الارض.ويضم المبنى مسجدا بمساحة ألف متر مربع مزين بخمسين عمودا من المرمر الاحمر والاسود، اضافة الى حزام من الايات القرآنية المحفورة على الخشب، وتضيئه ثريات من النجف ذات الطابع الاسلامي، اما باقي المساحة فهي موزعة بين المدرسة التي يدرس بها ابناء المسلمين طبقا للمناهج السعودية وتتسع لحوالي 250 تلميذا من المراحل التمهيدية والابتدائية والاعدادية.

وتحتل المكتبة مكانة هامة في هذا البناء الاسلامي الحديث، حيث تضم امهات الكتب ويزيد عددها حاليا عن ثلاثين ألف كتاب، وطبقا لما ذكره الدكتور السنيدي فان المكتبة يجري تزويدها اولا باول باحدث الاصدارات بالعديد من اللغات وفي جميع مجالات المعرفة الانسانية.ولعل أبرز قاعات المركز الثقافي الاسلامي ـ قاعة المؤتمرات الضخمة التي تضم مسرحا مجهزا بكافة التجهيزات ويسع لخمسمائة شخص ومجهزة كراسيها باجهزة الترجمة الفورية لثلاث لغات في وقت واحد.إضافة إلى صالة الجمنازيم والأشغال اليدوية التي تجعل من النشاط الاجتماعي نشاطا رئيسيا للمركز حيث تتم مساعدة السيدات والفتيات من اليتيمات والمحتاجات تعلم التفصيل والحياكة على ايدي متطوعات لتعليمهن مهنة يمكنهن من خلالها ممارسة حياة شريفة.ولا يجب أن ننسى المتحف الاسلامي الفريد من نوعه الذي يضم عددا من الأدوات العلمية الأثرية التي تؤكد مدى التقدم العلمي الذي بلغه المسلمون وتقدموا به على حضارات أخرى كانت تعيش في عصور الظلام.

توحيد صفوف المسلمين
وحول نشاط المركز الديني والاجتماعي يقول الدكتور السنيدي إن المركز الثقافي الاسلامي بمدريد الذي يديره يحاول أن يوحد كلمة جماعات المسلمين المنتشرة في اسبانيا تحت راية واحدة، خاصة بعد تزايد عددهم بشكل كبير وتوزعهم على جماعات متفرقة بسبب الانتماء الوطني او العرقي، ويقول إن أعداد المسلمين في اسبانيا غير مؤكدة، لكن «الاتحاد الاسباني للجماعات المسلمة» يقدر عددهم في ما بين 600 إلى 700 ألف مسلم، منهم حوالي 200 ألف مسلم ولدوا وهم يحملون الجنسية الاسبانية أو لأبوين مسلمين، يتمركزون في المدن الكبرى مثل مدريد وبرشلونة وفالنسيا، إضافة إلى مدينتي سبتة ومليلة المتنازع عليهما مع المغرب، فيما يقدر عدد الذين اعتنقوا الإسلام خلال السنوات العشرين الأخيرة بحوالي 30 ألفاً.

ويقول إن هناك من يقدر عدد المساجد التي يتوافد عليها المسلمون المقيمون في اسبانيا بحوالي 300 مسجد ومصلى، منها ثلاثة مساجد في العاصمة مدريد، أكبرها حجما وأهمها من ناحية النشاط النشاط الديني والثقافي والاجتماعي المركز الثقافي الإسلامي.وعلى الرغم من هذا الوجود فإن المسلمين لا يزالون يواجهون العديد من المشاكل في تعاملهم اليومي، وبشكل خاص في ظل انعكاس الأحداث التي تمر بها بعض الدول الإسلامية في وسائل الإعلام المختلفة، ويبذل المركز الثقافي الاسلامي وادارته في السنوات الأخيرة محاولة تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الاسلام، وأيضا الرد على الاستفسارات وفتح الحوار مع وسائل الاعلام لتوجيهها نحو المفاهيم الصحيحة ويقول الدكتور السنيدي إن هذا العمل يجد أذانا صاغية خاصة في ظل محاولات الحكومة الاسبانية لفتح قنوات دائمة للحوار مع الجاليات الإسلامية، إلا إنه لا تزال هناك مشاكل عالقة خاصة بممارسة المسلمين لحياتهم كمواطنين اسبان يؤدون ما عليهم من واجبات ولهم حقوق المواطنة على الدولة، منها مسألة تدريس الدين الإسلامي لأبناء المسلمين في المدارس الحكومية، وهذا المطلب لقي استجابة من جانب الحكومة الاسبانية مؤخرا وتم اعتماد المركز الثقافي الاسلامي بمدريد كواحد من الجهات التي يمكن للمسلمين أن يلجأوا إليها لطلب ضم أبنائهم لفصول دراسة الدين الاسلامي بالمدارس الحكومية.
وهذه الخطوة من جانب الحكومة الاسبانية تعتبر موفقة، وان المركز الثقافي الإسلامي كان ولا يزال يتولى دعم تلك المدارس بمدرسي اللغة العربية والدين مجانا، أو تطوع بعض آباء التلاميذ بتدريس هذه المادة، على رغم توقيع اتفاق بين الإدارة واتحاد المسلمين على تسهيل هذه المهمة من خلال مدرسين تدفع الحكومة رواتبهم.

أيضا يقوم المركز الثقافي الاسلامي بتوفير من يشرف على عمليات «الذبح الحلال» حيث لا توجد مذابح لإجراء عملية الذبح الحلال على الطريقة الإسلامية سوى في العاصمة مدريد، التي يخصص مذبحها يومين في الأسبوع للذبح بحضور مندوب عن المركز الثقافي الإسلامي.

ومن أنشطة المركز الثقافي الاسلامي بمدريد المساهمة والاشراف على عمليات دفن الموتى طبقا للشريعة الإسلامية والتي كانت تعتبر بالنسبة للكثير من المسلمين مشكلة كبرى، حيث لا توجد مدافن إسلامية سوى في مدينتي سبتة ومليلة لوجود أغلبية مسلمة فيهما، وتلك القريبة من العاصمة مدريد، والتي أقيمت بأمر من الجنرال فرانكو، الذي كان يتخذ من الجنود المغاربة حرسا خاصا.

www.islamweb.net