كي تكون الجامعة عتبة الانطلاق نحو المعالى

30/09/2003| إسلام ويب

بعضنا يذكر صورة الأب أو الأم وهما يصطحبان ابنتهما فى أول يوم من أيام الجامعة، يساعدانها فى إنهاء أوراقها، وينتظرانها حتى تنهى محاضراتها فى آخر اليوم، ويعودان معًا إلى المنزل، وتتكرر ذات الصورة مع الابن فى خطواته الأولى نحو الجامعة، يظل الحال هكذا أيامًا طويلة فى بدايات الأيام الجامعية، وتتغير الصورة بعد أن تلاحق الابن أو الابنة سخريات الأصدقاء من تلك الرعاية اللصيقة.

موقف الأبوين ليس مبالغًا فيه، فى ظل واقع الجامعة الذى نراه وخوفهما من ضياع فلذات الأكباد فى عالم شديد التنوع والاختلاف، وموقف الأبناء واعتراضهم على فعل الآباء، قد يكون متوافقًا مع سمات المرحلة العمرية التى يعيشونها، مرحلة المراهقة المتأخرة، وما يميزها من حب الاستقلال، وشدة التأثر بالصديق، والتشبث العنيد بالرأى، إذن فما نحتاجه هو مظلة حانية تضم الوالد والوالدة، والابن والابنة، وتجعل من مرحلة الجامعة مرحلة غنية بالعلم والمعرفة إلى جانب تنمية المواهب والقدرات، وبناء العلاقات الاجتماعية الهادفة، وتهيئة الابن أو الابنة لخوض الحياة بشكل بنَّاء مثالى.

وينسج الخبير التربوى الأستاذ عبد الله عبد المعطى تلك المظلة الحانية بثلاث وصايا يهمس بها فى أذن الابن أو الابنة على أعتاب الجامعة، ويهمس فى أذن الوالدين بوصيتين أخرتيّن حتى تصبح الجامعة عتبة الانطلاق نحو المعالى.

**وصايا الأبناء:***
**- الوصية الأولى:***
1 - "مصحفك فى جيبك كنز فى قلبك"
هذه ثلاث خطوات تعينك على تعلقك بكتاب الله تعالى .
أ - فى بداية حياتك الجامعية اشتر مصحفًا صغيرًا، واحمله ولا يفارقك .. تقرأ فيه كلما سمحت الفرصة فى وقت الفراغ، فى المواصلات العامة، فى أوقات انتظارك لأية محاضرة .

ب - الحفظ، ولو حفظ اليسير، وإليكما عزيزى الابن وعزيزتى الابنة هذه الإحصائيات التى تشد من عزمكما:
- لو حفظت فى كل يوم ثلاث آيات، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى خمس سنين وعشرة شهور وثلاثة عشر يومًا.
- ولو حفظت أربع آيات فى اليوم، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى أربع سنوات وأربعة شهور وأربعة وعشرين يومًا.
- ولو حفظت فى كل يوم خمس آيات، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى ثلاث سنوات وستة شهور وسبعة أيام.
فانظر إلى عظم الأجر، وما ستحصله من خير عميم بحفظ القرآن الكريم أيًا كانت مدة دراستك الجامعية.

جـ - أثرعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حبه للاستماع إلى القرآن الكريم من غيره، وبالتالى يمكن للزملاء أن يجتمعوا عليه، وقد كان سيد الخلق (عليه الصلاة والسلام) يطلب من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، وسيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) كان يقول لأبى موسى الأشعرى: ذكرنى بربى؟ فيقرأ عليه بعض الآيات ثم يتفرقان.

**2 - الوصية الثانية: ***
**"لا تكن كالطائر الكسيح":***
روى سيدنا إبراهيم بن أدهم، وهو من كبار التابعين، أنه كان صديقًا حميمًا لشقيق البلخى، وكان شقيق تاجرًا، وكانا معتادين على اللقاء الدورى فى المسجد، وذات يوم استأذن شقيق صديقه إبراهيم للخروج للتجارة فودعه، ثم ما لبث بعد فترة بسيطة لا تعدو ساعات عشرة وجده عائدًا، والتجارة تستغرق أيامًا طويلة، فسأله عن سبب عودته السريعة، فقال شقيق: "استرحت قليلاً فى بعض المبانى الخربة فى الطريق، فرأيت طائرًا كسيحًا كفيفًا يعيش فيها، فتعجبت كيف يجلس وحده فى هذه الصحراء، ومن أين يعيش، ثم لم تمض فترة بسيطة حتى رأيت طائرًا آخر يُحضر له الطعام، ويقدمه له، فقررت أن أرجع، وربى يتكفل برزقى كما تكفل برزق هذا الطائر الكسيح، فقال له إبراهيم ابن أدهم: يرحمك الله، ولم ارتضيت لنفسك أن تكون كالطائر الكسيح؟!
لذا عزيزى الابن وعزيزتى الابنة لا تكونا كالطائر الكسيح، ولا تعتمدا على الغير فى أخذ المحاضرات وتلخيص الدروس، بل سارع فى ما ينفعك وينفع غيرك، ويشجع على ذلك تذكر نقطة أساسية:
1 - لا تعتقد أنك ما زلت صغيرًا؛ لأن يحتاج الناس إلى علمك، فقد روى الطبرانى أن سيدنا عبد الله بن عباس (رضى الله عنه) قال لأحد أصحابه: هيا نطلب الحديث من أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم)، وكان وقتها صغيرًا، فقال له صاحبه: وهل ترى أن الناس يحتاجون لك الآن؟ فلم يصغ لكلامه، وسعى فى طلب العلم لدرجة أنه كان ينام على باب بيت صاحب الحديث الذى يريده، وتثير الريح التراب فى وجهه، حتى يخرج ويلقاه، فيأخذ منه العلم الذى يريد، حتى وصل إلى مكانته العلمية، وكان العلماء الكبار يتعلمون الحديث منه، فكان صاحبه الأول يقابله ويقول له: "يرحمك الله كنت أعلم منى".

لذا أوصيك أيها الابن العزيز أيتها الابنة العزيزة أن تكتب لوحة كبيرة "لن أكون الطائر الكسيح"، وتعلقها فى غرفتك أو تضعها على مكتبك لتذكرك دائمًا أن تكون فى عون نفسك، والناس، ولا تنتظر العون من أحد.

**3 - الوصية الثالثة:***
** الصاحب ساحب:***
إما للجنة أو للنار، ولا ثالث، وتأمل الآية والحديث التاليين، وانظر أيهما تود أن تكون: قال الله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتنى لم أتخذ فلانًا خليلا. لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 27-29].

وحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذى رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، اشتاقوا إلى الإخوان "أى الأصحاب" فيجيئ سرير هذا حتى يحاذى سرير هذا، فيبكى هذا، ويبكى هذا، ويتحدثان بما كانا فيه فى الدنيا، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان أتدرى أى يوم غفر الله لنا؟ فيقول: يوم كنا فى موضع كذا، فدعونا الله فغفر لنا"، فانظر كيف أن لقاء الأصحاب والإخوان على طاعة الله يثمر دعوات مستجابة تأخذ بأيديهم إلى الجنة جعلنا الله جميعًا من أهلها.

**همسات للآباء:***
**1 - الهمسة الأولى: "صاحبه سبعًا":***
كلنا يعلم القول المأثور: "لاعبوهم لسبع، وأدبوهم لسبع، وصاحبوهم لسبع"، وسن المصاحبة يكون من سن الرابعة عشرة إلى الحادية والعشرين ، فانظر أيها الأب، وانظرى أيتها الأم كيف تتعاملان مع الصاحب، وكيف تتعاملان مع الابن والابنة، الصاحب دائمًا له اللطف والإنصات، وسعة الصدر، والتهادى، فالمانع من تنفيذ هذه المعاملة مع الأبناء، ماذا يضير لو قدم الوالد لابنه هدية، وما المانع فى إعطاء الوالد لابنته وردة ، لتعلم عزيزى المربى أن مصاحبة الابن تعصمه من الزلل بإذن الله وتجعل ارتباطه بك أقوى من أى ارتباط خارجى.

**2 - الهمسة الثانية "لاتفقد الأمل فى ابنك مهما كان":***
كثير من الآباء يعتقد أن جهد التربية فى الصغر قد ضاع إذا مر بموقف مع ابنه لمس فيه العناد والإصرار على الخطأ والتهور، لكنى أسوق لك قصة الفضيل بن عياض الذى انخرط فى قطع الطريق و الانحراف ، وحب الغناء حتى سن الثالثة والعشرين، ثم حدث أنه استمع لقول الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} [الحديد:16]، فقال: آن ياربى، وانكب على طلب العلم، ووصل إلى ما وصل إليه من مكانة كبيرة ..

www.islamweb.net