من ثمرات الزواج

25/10/2004| إسلام ويب

للزواج ثمرات عديدة ، منها : سكن كل من الزوجين إلى الآخر، التعارف والتعاون بين الناس، العفة وإشباع الغريزة، ابتغاء النسل الصالح، وفيما يلي أبين ذلك:

الثمرة الأولى : سكن كل من الزوجين إلى الآخر:

وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

قال الإمام الشوكاني: أي من جنسكم في البشرية والإنسانية. (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي ودادًا وتراحمًا بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة فضلاً عن مودة ورحمة.[انظر فتح القدير 4/312].

وقال الإمام ابن كثير: خلق لكم من جنسكم إناثًا يكن لكم أزواجًا (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجه إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك.[تفسير ابن كثير 3/568].

ولا يتحقق هذا إلا بالتزام كل من الزوجين بشرع الله تعالى وهدى نبيه، وذلك بالقيام بواجباتهما.

الثمرة الثانية : التعارف والتعاون بين الناس:

شاء الله تعالى أن يخلق الإنسان مدني الطبع، يميل إلى الجماعة ويكره العزلة، وخلق الناس ذكرانًا وإناثًا وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، كما جاء في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13].

قال ابن كثير: جعلهم شعوبًا وهي أعم من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك. (لِتَعَارَفُوا) أي ليحصل التعارف بينهم.[انظر تفسير ابن كثير 4/277].

ولا شك أن الزواج هو أهم أسباب التعارف بين العائلات والأسر ويقوي أواصر الود بينها. والعرب كانوا يقدرون أثر الزواج في هذه الناحية، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته كان لهذا الغرض، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم به على توطيد دعائم السلم من ناحية ونشر الدعوة من ناحية أخرى، ولا أدل على هذا من قصة جويرية بنت الحارث التي وقعت في الأسر بعد مقتل أبيها وهزيمة قومها (بني المصطلق) فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق الصحابة – رضوان الله عليهم – مائة أهل بيت من قومها، وقالوا أصهار رسول الله! فأمن النبي صلى الله عليه وسلم مكرهم ووضعت الحرب أوزارها بينه وبينهم بإسلامهم والسبب زواجه من ابنة سيدهم الذي قتل في غزوة بني المصطلق.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - وكاتبته على نفسها". قالت: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني ما لم يخف عليك، فجئتك أستعينك على كتابتي. قال : فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها"[رواه أحمد].

هذا عن التعارف، أما التعاون فهو واضح، إذ تقوم الزوجة بنصف أعباء الحياة ويقوم الرجل بالنصف الآخر، فالزوجة تهيئ للزوج ما يحتاج إليه ويسعده بالإضافة إلى تربية الذرية ، والزوج يسعى ويكدح لطلب الرزق الحلال لنفسه ولأهل بيته، وتتعاون الأسر مع بعضها البعض لتيسير الزواج لأبنائها.

الثمرة الثالثة: العفة وإشباع الغريزة في الحلال :

وهذا مفهوم قول الله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة:187]، فمعنى قوله تعالى: (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) يعني الجماع، كما قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم.

وفي الزواج إعفاف النفس عن الحرام وكبح جماحها حتى لا تورد صاحبها مواد الهلكة، ولعل هذا مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"[متفق عليه].

وأمر الرجل أن ينظر إلى مخطوبته ليطمئن إلى أن هذه هي التي تسره إن نظر إليها وتكون سببًا في أن يغض بصره ويحص فرجه، فقال صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".[أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي].

فالإسلام دين الفطرة، وهو فقط ينظم ما فطر عليه الإنسان، ولا يمنعه من ممارسة ما يتفق مع فطرته، بل يرفض الإسلام أن يمتنع المسلم عن ممارسة ما تقتضيه الفطرة بهدف التعبد، ولما ذهب ثلاثة نفر إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أنا أصوم الدهر لا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل ولا أرقد، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء. وقف النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".[ أخرجه البخاري وأحمد].

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الوطر (جماع الزوجة) صدقة، فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح كل يوم على كل سلامى من ابن آدم صدقة". ثم قال: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتسليمك على الناس صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، ومباضعتك أهلك صدقة". قال: قلنا: يا رسول الله! أيقضي الرجل شهوته وتكون له صدقة؟ قال: نعم، أرأيت لو جعل تلك الشهوة فيما حرم الله عليه ألم يكن عليه وزر؟ قلنا: بلى. قال: فإنه إذا جعلها فيما أحل الله عز وجل فهي صدقة".[أخرجه أحمد وأبو داود وأصله في مسلم].

الثمرة الرابعة: ابتغاء النسل الصالح والولد المبارك:

والتناسل هو النتيجة الطبيعية لالتقاء الزوجين الذكر والأنثى، وهو حتمي لاستمرار حياة الكائنات، ويعتبر التناسل أهم ثمرات الزواج، ولقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى فقال سبحانه: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة:187]. قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عيينة والحسن والسدي والربيع والضحاك: معناه ابتغوا الولد، ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم"[أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي].

والتناسل يمثل غريزة فطرية عند الإنسان كغيره من الكائنات؛ لأن الله تعالى قدر أن يكون البقاء بالتزاوج ومن ثم التناسل، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)[آل عمران:14].

أنبياء الله تعالى والذرية :

الأنبياء بشر لهم من الآمال مثل ما لباقي البشر، لكنهم يتميزون بأنهم يريدون من كل شيء أكمله وأحسنه وغايتهم نبيلة فيطلبون من الله تعالى الذرية لكنهم يقيدون طلبهم بالذرية الطيبة الصالحة التي تكون امتدادًا لهم وسببًا في انتشار دعوتهم، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصافات:100]. وهذا زكريا عليه السلام يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آل عمران:38].

مما ينبغي أن نقف أمامه في دعاء النبيين الكريمين عليهما السلام هو طلب الذرية الطيبة الصالحة وليس مجرد الذرية، ولئن قلنا إن من ثمار الزوج ابتغاء الأولاد الذين هم زهرة الحياة الدنيا، فبهم تسعد النفس، وبسببهم ينشرح الصدر، لكن يجب أن ندرك أن الإسلام في نظرته إلى الأولاد لا يهتم بالكم (العدد) ولا بالنوع (الذكر والأنثى) ولكن بالكيف، فمريم عليها السلام امرأة لكنها أفضل من ملايين الرجال، ووضعت للدنيا بفضل الله أحد أولى العزم من الرسل.

ولهذا يجب على المسلم أن يعني بأبنائه وأن ينشئهم على تعليم الدين، وأن يعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وأن يعدهم لمسايرة ركب التطور السريع في الحياة حتى ننشئ نسلاً قويًا صالحًا في جسمه وعقله وروحه وخلقه وحتى نكون أكثر قوة وقدرة على تحمل تبعات مجتمعنا في مسيرته الصاعدة نحو المعالي.

وليكن قدوتنا أنبياء الله – صلوات الله وسلامه عليهم – أنهم حينما طلبوا الذرية لم يطلبوا مطلق كثرة العدد، لكنهم طلبوا ذرية طيبة وصالحة كما سبق فأجيب إبراهيم بإسماعيل وإسحاق، وأجيب زكريا بيحيى – عليهم جميعًا من الله السلام – فالقضية ليست في الكم لكنها في الكيف، وعباد الرحمن الذين توجهوا إلى الله في دعائهم بطلب الذرية طلبوا منه سبحانه أن يرزقهم الذرية التي تقر بها أعينهم وتدخل السرور على نفوسهم، ولا يتم ذلك إلا بالذرية الصالحة القوية، التي يرجى خيرها ويؤمن شرها ويكون جودها مصدر سعادة وقوة للأسرة والأمة جمعاء.

إننا نريد ذرية ذات علم وذات خلق وذات منعة؛ حتى يرهبها أعداؤها، تنتج أكثر مما تستهلك، نريد ذرية متكاملة ومتماسكة، وغير ممزقة ولا متفرقة ولا منقسمة على نفسها.

الذرية المذمومة :

إن الإسلام في الوقت الذي حث فيه على تكثير النسل، وعده نعمة عظيمة وامتن بها على الآباء فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[النحل:72] قضى بصيانة هذه الكثرة من عوامل الضعف وبواعث الوهن، فالإسلام لا يريد نسلاً كثيرًا يملأ الأرض ضعفًا وجهلاً ومرضًا، ولكنه يريد نسلاً قويًا صالحًا في جسمه وعقله وروحه وخلقه، لا أن يكون غثاء كغثاء السيل المشار إليه في الحديث الشريف لا قيمة له ولا وزن؛ قال صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قال قائل: أوَ مِنْ قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".[أخرجه أحمد وأبو داود ورواته ثقات].

وإذا كان الإسلام يطلب من الأمة أن تكون ذات كثرة قوية، فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق العمل على تنظيم الأسرة تنظيمًا يحفظ للأسرة قوتها، وقدرتها وطاقتها، وحسن أدائها وقيامها بواجبها، ويحفظ للنسل قوته ونشاطه..

www.islamweb.net