خطر الوقوع في العلماء

26/12/2004| إسلام ويب

من علامات تقوى القلب تعظيم شعائر الرب، قال تعالى : " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" … ومن أجلِّ من أمر الله بتوقيرهم وإكرامهم وتعظيمهم أهل العلم ؛ فهم كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "خلفاء الرسول في أمته، وورثة النبي في حكمته، والمحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.. قيضهم الله لحفظ الدين، ولولا ذلك لبطلت الشريعة، وتعطلت أحكامها، وهم في كل زمان الأصل في أهل الحل والعقد، وهم المعنيون مع الأمراء في قوله تعالى: (وَأَولي الأمر)[النساء:] ولذلك كان الوقوع فيهم من أكبر الذنوب وفاعله لا يفلح أبدًا".

ولما كان للعلماء هذا المقام الرفيع وتلك المنزلة السامية في الدين كانت الوقيعة فيهم ليست كالوقيعة في غيرهم والطعن فيهم أكبر إثما وأعظم ضررا وخطرا عند الله من الطعن في غيرهم من الناس؛ ومن ثم أعلن الله الحرب على منتقصيهم وأهل الوقيعة فيهم كما في الحديث القدسي : "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" . والوقيعة في أهل العلم والدين مسلك أعداء الرسل والدين وقد سلك المنافقون قديما هذا السبيل وما زال أعداء الله يسلكونه لما له من أثر على الدعوة وأهلها وتنفير الناس عن فرسانها .. وهذا السبيل فيه من المضار ما لا يحوطه حد ولا يأتي عليه عد .. فمن ذلك:

هدم القمم هدم للإسلام:
 فمن هدم عالما أو انتقصه فقد أعان على هدم الدين، فلا عجب في أن تجري ألسنة الحاقدين والحانقين بالطعن والسب والسلب في أهل الدين والوجاهة

  • فمن ذلك: ما جرى من المنافقين في حادثة الإفك في حق الطاهرة البتول، المبرأة من فوق سبع سموات. وإنما كان الإفك في حقيقته طعنة موجهة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ثم للرجل الثاني رضي الله عنه، ثم لهذه الصديقة رضي الله عنها، التي حمل عنها ربع الشريعة.

  • ومن ذلك: محاولة أعداء السنة من المستشرقين وأذنابهم الطعن في أبي هريرة رضي الله عنه راوية الإسلام الأول، ولماذا أبو هريرة؛ لأنه قمة، فإذا انهدم انهدم معه قسم كبير من السنة.

  • ومنه طعن الدجاجلة في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله، وطعن الرافضة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرد ما جاء عنهم إذ إن الطعن في الراوي لا شك طعن في مروياته فيضيع الدين.

تجريح العالم فض للناس عنه:
وإذا انفض الناس عن العلماء فكيف يعيشون وكيف يتعاملون، ومن يدلهم على الحلال والحرام، والخير والشر، وقد قال الأولون: لولا العلماء لكان الناس كالبهائم.
فما أسهل وقوع الناس في الأخطاء والعلل، وما أيسر تعرضهم للأخطار والزلل.

وإذا كان موت العالم ثلمة في الإسلام، فإن جرحه كقتله، ولنحن في أشد الحاجة في هذا الزمان للعلماء الراسخين، فما أكثر الفتن وما أعظم البلايا التي نتعرض لها، ولا يقوم لها إلا أهل العلم.

تصدر غير المتأهلين:
فإن خلو الساحة حقيقة أو حكما من المتأهلين للصدارة المستحقين لها يورث ظهور طائفة من أنصاف المتعلمين أو المتعالمين غير المتأهلين ليحتلوا مكانا ليسوا أهلا له .. وهذا يكفي في بيان خطره حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ".[رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو].

فلا تسل بعد ذلك عن الحرمات التي تستباح، والأعراض التي تنتهك، والدم المعصوم الذي يهراق، والمال الذي يهدر.. مع الحيرة الشديدة في كل ملمة أو مهمة تتعرض لها الأمة .

جرح العالم رد لعلمه:
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هؤلاء الذين يقعون في أهل العلم ويتطاولون عليهم فقال: الذي أرى أن هذا عمل محرّم، فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن وإن لم يكن عالماً فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين؟! والواجب على الإنسان المؤمن أن يكف لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين. قال الله تعالى: "ياأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم". وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرّح العالم فسيكون سبباً في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرّح العالم، لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحاً شخصياً بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جُرح." اهـ.

إن جرح العالم ليس جرحًا شخصيًّا كجرح العامي، ولكنه طعن يصل إلى ما يحمله من العلم، ولذلك كان الطعن في العلماء بابًا من أبواب الزندقة. وقال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدًا على المبتدعة". وقال يحيى بن معين: "إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام". وقال سفيان بن وكيع: "أحمد عندنا محنة، به يعرف المسلم من الزنديق".

قال بكر أبو زيد: بادرة ملعونة وهي تكفير الأئمة ... أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضلال، كل هذا من عمل الشيطان، وباب ضلالة وإضلال وفساد وإفساد، وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، ولكن الأغرار لا يفقهون.

انزواء العلماء والدعاة:
ومن أضرار الطعن في العلماء والدعاة إنزواؤهم طلبا للسلامة وصيانة لأعراضهم، وحفظًا لحياة قلوبهم. فإذا انزوى هؤلاء خلت الساحة عن الأخيار الذين يجلون الناس ويعلمونهم ويدعونهم إلى الله تعالى.

تمرير مخططات الأعداء:
لأن العلماء هم أول من يهتك ستر الأعداء ويكشف عوارهم، فإذا فقد الناس الثقة في علمائهم فمن يبصرهم بما يحاك لهم ويراد بهم؟ ومن هنا كان فقد العلماء وسيلة لتحقيق الأعداء إلى مرادهم . ونظرة إلى الواقع تنبيك.

إن العلماء هم عقول الأمة ونورها، وكل أمة لا تحترم عقولها لا تستحق الحياة. قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

www.islamweb.net