الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني أن أواجه إعاقة ابني بصبر وجلد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة شابة متزوجة منذ أربع سنوات، محجبة وأصلي، بعد زواجي مباشرةَ حملت، ولكن الله شاء أن يسقط هذا الجنين، كانت حالتي النفسية سيئةً، ولكني صبرت، وبعد شهرين سقط الجنين مرةً أخرى، تأثرت كثيراً بذلك، وخاصةً أني وحدي مع زوجي في فرنسا، وعائلتي ليست في نفس البلد.

وبعد 4 أشهر شاء الله أن أحمل، وفرحت كثيراً، وعملت ما في وسعي للحفاظ على الجنين، الحمل كان عادياً وبدون مشاكل صحية -والحمد لله-.

وضعت ابني، وتعبت به، مما ألزمنا على تركه أسبوعاً في العناية الخاصة، ثم عدنا به إلى المنزل، ومن هنا بدأت معاناتي، ابني لم يكن عادياً، ولما أريته الطبيب فحصه وأعلن أن عند الصغير مرضاً عصبياً نادراً لا دواء له، بكيت كثيراً؛ لأن هذا الطفل الذي طالما انتظرته سوف يعيش معاقاً طول حياته، زوجي دوماً معي يساندني، ولكن العائلة لا تقدر الأمر، وعندما نحادثهم يلحون في السؤال عن نموه، ويقارنون بينه وبين أقرانه، وأنا أتأثر كثيراً لأن ابني لا يمشي، ولا يتكلم، وعنده مشاكل صحية أخرى، مثل: ضعف كبير في البصر، والإمساك شبه الدائم، وجراحة في المثانة، وضيق في التنفس، والآن عمره سنتان وعشرة أشهر، أمضى منها عدة أشهر في المستشفى.

نسيت أن أذكر أنني درست 5 سنوات بالجامعة، لكني لم أبحث عن شغل بسبب انشغالي بابني وحالته الصحية، ودائماً أشعر بالحزن لأني درست كثيراً ولم تسنح لي الفرصة للعمل، والناس الذين أعرفهم دائماً يسألونني لماذا لا أشتغل؟ وأحكي لهم عن ابني وأبكي كثيراً، وأحياناً أقول لنفسي: لماذا أنا وابني بالذات في هذه الحال؟ (ليست هنالك حالات إعاقة في العائلتين والأقارب)، وأستغفر الله لأني أعرف أنه ابتلاء ويجب أن أصبر، وبعده أنجبت أخاً له بصحة جيدة -والحمد لله-، عمره الآن تسعة أشهر، ولكن حالتي النفسية لم تتحسن، أبكي كثيراً وأصرخ في وجه أبنائي إذا تعبت أو غضبت، لا أدري ماذا أفعل، أخاف أن يذهب الغضب بالأجر، ساعدوني وادعوا لي أرجوكم، جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Moslima2005 حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلا شك أن هذا ابتلاء، ويعتبر ابتلاءً بسيطاً، والإحصاءات تُشير إلى أن 2 - 3% من الأطفال هم من ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة، والنسبة ليست صغيرةً أبداً، هذه النسبة عالية، ومن الطبيعي أن يكون هناك شيء من عدم التواؤم والحزن بعد أن وُجدت واكتشفت مشاكل الطفل الطبية، ولكن بعد ذلك لابد أن تُبنى لديك قناعات جديدة وموائمة وتكيف وقبول ورضا، بل الرضا التام بما قدره الله.

هذه الحالات أعرف كثيراً من الآباء والأمهات الذين تواءموا معها وألسنتهم تلهج بالشكر والحمد لله تعالى، وذلك احتساباً للأجر، ورضا بقضاء الله وقدره، وأود أن أذكرك أنه الآن توجد -والحمد لله- خدمات مساندة كثيرة لذوي الاحتياجات الخاصة.

فوضعك مقدر، وعدم ذهابك إلى العمل أعتقد أنه أمر صحيح وسليم، فهذا الابن يتطلب منك العناية، وكذلك أعمال البيت، والاهتمام بالزوج وأطفالك الآخرين، كلها واجبات عظيمة أنت تقومين بها، فلا تشعري بالذنب أبداً، وأنا أنصحك إذا وجدت أي طريقة للانضمام لإحدى الجمعيات التي تعتني بذوي الاحتياجات الخاصة فهذا سوف يكون أمراً جميلاً، وسوف يُشعرك براحة حقيقية وقيمة ذاتية.

أنا أعرف الكثير من الأمهات اللواتي لديهنَّ أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصةً حالات التوحد، فهذه حالات صعبة جدّاً، لكن كثيراً من هؤلاء الأمهات تكيفن مع هذا الوضع، وأصبحنَ يُقدمن الكثير من المساعدات للأسر الأخرى التي لديها أطفال من ذوي الإعاقات، وذلك من خلال الانضمام والعمل التطوعي تحت لواء هذه الجمعيات، وهي الآن كثيرة جدّاً.

أنا أعتقد أن ذلك سيكون فيه خير كثير لك، وسوف يجعلك تحسين بالرضا بل القبول التام على حالة ابنك، وفي نفس الوقت يعطيك قدرةً كبيرةً لتطوير مهاراتك حيال رعاية ابنك وبقية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

الأمر هو أمر قدريٌ، ويجب أن يتم التعامل معه على هذا الأساس، وصبرك على هذا الابن ورعايته وتقديم كل ما يمكن له -إن شاء الله- يكون سبباً في أن يفتح لكم باباً من أبواب الجنة، والأمور في الحياة لا تُقاس فقط بمنافعها أو مضارها، ولكن تُقاس بالحكمة من ورائها.

أرجو أن تعيدي النظر في تفكيرك، وأنا أقدر مشاعرك تماماً، ولا أعتبر حالتك حالةً مرضيةً، نعم قد يكون هناك شيء من عدم التواؤم، ولكن هذا البكاء لا داعي له أبداً، والصراخ في وجوه أبنائك هذه مشاعر يجب التحكم فيها، وذلك من خلال الشعور بالقبول والرضا التام بقضاء الله وقدره.

في بعض الحالات -وقطعاً لا أقصدك- ربما تعاني الأم أصلاً من نوع من الاكتئاب النفسي الداخلي، هذا الاكتئاب يُقلل من صبرها وقبولها للظرف الحياتي الذي تعيش فيه، ومنها العناية بطفل معاق أو بوالدٍ أصبح هرماً ويحتاج للعناية، بالرغم من مشاعرهم الطيبة، واستشعارهم لواجباتهم حيال هؤلاء الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الوالدين عند الكبر، لكن تجد المشاعر السلبية تتغلب عليهم في بعض الأحيان؛ لأن الاكتئاب هو المسيطر، وهو الذي يفقد الإنسان القدرة على التحمل والصبر.

أنا لم أستشعر أنك تعانين من حالة اكتئابية، ولكن وددت أن ألفت النظر إلى ذلك، ومن حقك أن ترتاحي متى ما كان ذلك ممكناً، ولا شك أن زوجك سوف يساعدك في ذلك، من حقك أن تروحي عن نفسك بما هو طيب، وإدارة الوقت بصورة جيدة سوف تساعدك -إن شاء الله- لأن توفقي ما بين العناية بابنك والقيام بواجباتك المنزلية والزوجية، وكذلك الترويح عن نفسك، وأخذ قسط من الراحة متى ما كان ذلك متاحاً.

احرصي على الدعاء بأن يفتح الله عليك أن تعيشي حياةً سعيدةً مع هذا الطفل، ولماذا لا يكون هذا الطفل هو مفتاح الخير لكل أسرتكم، مَن يدري؟!

وختاماً نشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن



مواقيت الصلاة

حسب التوقيت المحلي لدولة قطر دولة أخرى؟
  • الفجر
    04:10 AM
  • الظهر
    11:39 AM
  • العصر
    03:07 PM
  • المغرب
    05:49 PM
  • العشاء
    07:19 PM