الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقوي إيماني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من مشكلة إيمانية تكدر عليّ صفو حياتي، وعباداتي وكياني كله.

كلما حدث لي أمر في حياتي من أمور الحياة المختلفة، سواء كانت شيئا يسر أو شيئا يكدر، لا أستطيع إلا أن أشعر بالحزن في كلا الحالتين والقلق.

أنا أعلم مشكلتي جيدا باختصار، أن عندي مشكلة في الجمع بين مفهوم حسن الظن بالله، واستيعابي للابتلاءات التي يبتليني الله بها، لا أستطيع أن أوازن هذه المعادلة.

عندما أتمنى شيئا وأدعو به الله وأعلم أن من شروط اجتنابه الدعاء حسن الظن بالله، فأحاول أن أدعو بهذا اليقين ندما أشعر قرب استجابة دعائي لا أستطيع أن أفرح وأقول لنفسي، وما أدراني؟ فقد يكون هذا ابتلاء واختبارا من الله لي، ولا أستطيع أن أفرح بهذا الشيء، ولكن أخاف أن أعلق قلبي بهذا الشيء، ثم بعد ذلك أدرك أن هذا ابتلاء من الله ليمتحن إيماني.

لذلك أجد نفسي دائما أحاول أن أتوقع كل ما هو سيء، قد يحدث حتى لا أعلق قلبي بهذا الشيء، وأيضا لكي أستطيع أن أستوعب هذا البلاء في حال أن كان كذلك، وأعطى نفسي هذه المساحة لأني أخشى أن أرسب في اختبار الله لي، وأخشى على نفسي الانتكاس، فأنا كما قلت لكم أشعر أن إيماني به خلل في هذه النقطة، لذلك أحاول جاهدة أن أصلح قلبي مع الله، ولكني فقدت الشعور بالسعادة تماما، فلا أستطيع الشعور بالفرح بنعمة الله عليّ، والفرح باستجابته لدعائي وحسن ظني به، وكذلك قدرة تحملي للابتلاء أشعر فيها بأني وإن كنت اُشعر نفسي ظاهرياً بأني متقبلة وراضية، ولكن أجد في أعماقي حزنا رهيبا.

في الحالتين لا أستطيع الفرح والاستمتاع بفضل الله علي ونعمته، سواء في حال الفرح أو حال الابتلاء.

أرجو أن تمدوا لي يد العون، فأنا حقاّ أعيش أسوأ فترات حياتي، بداية الأمر تقدم لي عريس، كان من أحسن ما رأيت في حياتي، وشعرت أن الله قد منّ عليّ به بعد دعاء كثير وإلحاح في الطلب، وبعدما مررت بتجارب سيئة في صدمات في أشخاص من قبل.

لكني وجدت نفسي أشعر بالقلق والخوف من أن هذا الموضوع قد ينتهي، وظللت طيلة فترة الخطبة لا أستطيع الفرح والسعادة مثل باقي البنات، مع أني كنت منبهرة به وبشخصيته والتزامه وخلقه، ولكني ظللت قلقة وخائفة من عدم اكتمال الموضوع لأي سبب، كما قلت واستمريت في توقع كل ما هو سيء حتى أستطيع تحمل الصدمة، أن كان هذا ابتلاء، ولكني حاولت جاهدة مع نفسي أن أوازن بين حسن الظن بالله وبين أن كل شيء بقضاء وقدر، مهما حدث، وبالفعل اطمأنن أكثر عندما قرب موعد إعلان الخطبة، وعمل حفلة للشبكة، وما إلى ذلك.

صدمت عندما جاء اليوم الذي اتفقنا على النزول لشراء الشبكة، فاجأنا أنا وأسرتي أن العريس لم يأت كما قال في الموعد! وقلقنا أن يكون جرى له أمر، فاتصل به والدي ليعلم ماذا حدث فوجده يقول له حجة واهية غريبة! فقال له أبي يا ابني إن كان حدث أمر أو خلاف بينك وبين أهلك في الموضوع قل، وكل شيء بيد الله وقدره، فقال لا يا عمي ومن بعدها لم يتصل مرة أخرى حتى اتصل به أخي ليوبخه على ما صدر منه، والغير متوقع بالمرة فشعر أخي أنه لا يقدر ما فعله، وأن حجته الواهية كافية لإقناعنا، وشعر أخي أن هناك أمرا ما، ولكنه لا يفصح عنه، ولا نعرف لماذا؟!

المهم أن الموضوع انتهى نهاية معلقة لا نحن نتصل به ولا هو حاول الاتصال بنا، ولا ندري ما حدث؟!

هذا لا يهمني بقدر ما يهمني أن أعرف هل أنا السبب، بسبب عدم قوة إيماني وحسن ظني في الله؟ هل هذا عقاب الله لما انتابني من شعور؟ مع أني والله صليت استخارة، وكنت أحمد الله ليل نهار على ما وهبني، وما كنت أتمناه ولكني للأسف خالطتني المشاعر والأحاسيس بين الخوف والقلق والشعور بالسعادة، واستمتاعي بفضل الله عليّ، والله حاولت وجاهدت أن أصرف عن نفسي هذا الشعور.

أرجو أن تنصحوني حق النصيحة، أنا أتألم ولا أحد يشعر بي ولا بحالي إلا الله، وما يؤرقني حقاً هو أن أكون أنا السبب فيما حدث، وأن الله غاضب عليّ، ولذلك عاقبني.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

مرحبًا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

أنت لا تعانين من مشكلة أبدًا، فإن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى واستيعابك للابتلاءات التي يبتليك الله بها عز وجل والتوفيق بينهما أمر هينٌ سهل، فإن بواعث الظن الحسن بالله كثيرة إذا فتش عنها الإنسان في أحواله كلها الظاهرة والباطنة فإنه سيجد من منح الله سبحانه وتعالى له ونعمه عليه ولطفه به وبره وحسن تدبيره ما يدعوه ويدفعه إلى إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى البر الرحيم.

حسن الظن بالله أيتها الأخت الكريمة لا يعني أبدًا أن يتوقع الإنسان أن يعطيه الله سبحانه وتعالى ما سأله أو تمناه، فإن الله عز وجل أعلم بمصالحنا من أنفسنا، وهو مع هذا العلم قادر سبحانه وتعالى على كل شيء لا يعجزه شيء، غني عن كل شيء، بيده مقاليد السموات والأرض، وهو مع هذا العلم وتلك القدرة أرحم الراحمين، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن ثم فإنه سبحانه وتعالى لا يقدر لعبده ولأمته إلا ما فيه خير له، وإن كان هذا الإنسان يظن أن هذا القدر مكروه، وقد بيّن لنا عز وجل هذه الحقيقة في كتابه الكريم فقال: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

هذا هو السبب إذن، أننا لا نعلم، لا نعلم بعواقب الأمور أيتها الأخت، نميل مع شهوات أنفسنا ومع تستلذه طباعنا فنتمناه ونحرص عليه، ولكننا لا نعلم العواقب، وكم من أكلة مسمومة أودت بصاحبها إلى الهلاك.

ما يحرص عليه الإنسان قد يكون فيه هلاكه وهو لا يشعر، ولكن الله عز وجل بلطفه وبره ورحمته يصرف عنا أحيانًا ما نحب، ليس بخلاً به علينا، ولكنه رفق بنا ورحمة وإحسان إلينا، وما ذاك إلا لعلمه سبحانه وتعالى أن في ذلك الذي نشتهيه ونحبه الضرر كل الضرر.

كم من امرأة أيتها الأخت حرصت على أن تتزوج بشخص ولما تزوجته رأت منه الويلات وأنواع البلايا، وما كانت تدري أبدًا أن هذا مما يخبئه لها مستقبل الزمان، فمن ثم فاستحضارك أيتها الأخت الكريمة لهذه المعاني أمر يهون عليك ما تجدينه من مرارة بعض الأقدار التي لا تحبينها، وهذا أيضًا يدفعك إلى إحسان الظن بالله تعالى، وأنه لن يقدر لك إلا الخير إذا نظرت إلى عواقب الأمور.

وأما عدم فرحك بشيء مما يتحقق لك، فهو أمر حسن من بعض جوانبه، سيء من جوانب أخرى، فإن الإنسان ينبغي له أن يحسن الظن بالله تعالى إذا حدثت له نعمة، ويعلم أن هذا من فضل الله تعالى ورحمته، فيفرح بها، ولكنه في الوقت نفسه يعلم بأن الله عز وجل إذا رأى الخير في زوال هذا عنه وصرفه عنه فإنه سبحانه وتعالى سيصرفه عنه، وفي كلا الحالتين ينبغي له أن يعلق أمله بالله، ويعلم أن ما يختاره الله عز وجل له خير من اختياره لنفسه.

الدعاء أيتها الأخت الكريمة مستجاب، وإذا صدر الدعاء من قلب مُقبل على الله سبحانه وتعالى موقن بالإجابة فإن الله عز وجل يستجيب هذا الدعاء، ما لم يوجد مانع من موانع القبول، وحتى مع وجود بعض الموانع فإن الله عز وجل يستجيب دعوة المضطر إذا دعاه، فقد استجاب سبحانه وتعالى للمشركين حين سألوه أن ينجهم من البحر وأهواله، فأنجاهم إلى البر، واستجاب لهم مع ما هم عليه من الكفر بالله تعالى وعصيانه، فهذه سنة الله تعالى يجيب المضطر كما قال في كتابه الكريم: {أمَّن يُجيب المضطر إذا دعاه}.

ينبغي أن تكوني مدركة موقنة أن استجابة الدعاء لا تعني أبدًا أن الله عز وجل يعطيك ما سألت، بل لله عز وجل الحكمة والرحمة، فهو يفعل بك ما هو الأرفق بك والأحسن لك، فإما أن يعطيك ما سألتِ، وإما أن يصرف عنك من الشر بمثله وأنت لا تعلمين، وإما أن يدخر لك هذه الدعوة ليوم القيامة، وفي كلٍّ خير.

هذه المعاني أيتها الكريمة ستدعوك إلى إحسان الظن بالله تعالى، وتعليق القلب بالله تعالى، والفرح بنعمة الله تعالى إذا أتاك نعمة، وعدم الهم والقلق إذا صرف الله عز وجل عنك شيئًا، فإنما يصرفه عز وجل لعلمه أن صرفه هو الخير والمصلحة.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب سمية المصمودي

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.الحمدلله الذي جعل التعاون قائم بين المسلمون،فهذا يسأل وذاك يجيب بما وهب الله له من علم.والموضوع حقاً جد مهم،وليس سيفيد فقط الاخت السائلة،ولكن سيفيد الكثيرين الكثيرين.فشكراً لكم،وجزاكم الله عنا كل الخير...

  • السودان فاطمة محمد سعيد

    جزاكم الله خيرا على هذه الاجابة الشافية فقد كنت اعانى نفس المشكلة

  • السعودية وفاء حنان

    جزاكم الله عنا كل خير وجعله في ميزان حسناتكم ورزقكم الفردوس الاعلى

  • لبنان ام محمد

    الله يجزيك الخير ياشيخ وانا بعد اريد ان اشعر بحلاوة الايمان ومخافة الله اكثر

  • المملكة المتحدة ايمن جمال

    بارك الله فيكم جميعا ونفع بكم

  • السودان محمد سمير

    جزاكم الله خير

  • هولندا دعاء هلو

    جزاكم الله الخير



مواقيت الصلاة

حسب التوقيت المحلي لدولة قطر دولة أخرى؟
  • الفجر
    03:45 AM
  • الظهر
    11:33 AM
  • العصر
    03:02 PM
  • المغرب
    05:59 PM
  • العشاء
    07:29 PM