الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يريد تطليقي باتهام كاذب في المحكمة.. فهل أنقض الدعوى؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ زواجي وزوجي يحاسبني في المال، لا يجمعني معه سوى الطعام، أما الكسوة والعلاج وحتى كسوة ابننا الوحيد من راتبي، كنت أساعده ماليا في بعض الأحيان عن طيب خاطر، ومرات كثيرة كي لا يغير تعامله الحسن معي.

التقى بصحبة سيئة أثرت عليه، فصار يصرف ماله في السياحة والسفر والكماليات، وحينما أنصحه يقول المال ماله ويصرفه كيفما يشاء، فأصبحت لا أعطيه من راتبي كثيرا خوفا من ظروف الحياة، فلا يبقى معه المال أحيانا.

مؤخرا أجبرني بأن أعطيه مالي كله الذي جمعته ورفضت، وبرر طلبه بأن الزوجات الصالحات هن اللواتي يمنحن أزواجهن سلطة التصرف في مالهن، فرفع دعوى تطليق الشقاق، وكتب السبب هو رغبته في الإنجاب، عندنا ولد ولم ننجب بعده لوجود نقص في الحيوانات المنوية عند زوجي وتسويفه للعلاج، ففي 6 سنوات قام ب 3 تحاليل فقط، ولا يرغب في شرب الدواء، ويستعمل العلاج الطبيعي فقط.

أنا أريد من الله أن ينتصر لي ويقطع نسله فلا يلد أبدا.

هو رجل كاذب في دعوى طلاق الشقاق، وسبب المشاكل هو المال وسوء تصرفه فيما ينفع.

وأنا كما قالت الطبيبة لا أعاني من المشاكل، ومع ذلك أخدت بعض الأدوية المساعدة، وقمت بعمل أشعة الأنابيب وظهرت جيدة، هل لو دفعت التحاليل الخاصة به للمحكمة أكون انتصرت لنفسي فلا تستجاب دعوتي عليه بقطع نسله؟ وأخاف لو انتصرت بهذه الطريقة من عقاب الله بالحرمان من الذرية.

في قرارة نفسي أقول لو أثبت الأطباء عقم الزوجين فالله قادر على خلق ما يشاء، وخائفة لو دافعت عن نفسي بالتحاليل الناقصة لزوجي أغضب الله عز وجل، وأدعي القدرة على الإنجاب.

علما أنه أخفى عن القاضي بأنه يعمل إلى جانب كونه أستاذا في أعمال أخرى لم يصرح بها، خوفا من التبعات المالية، وتبريره في ذلك أنه ينوي مستقبلا ترك تلك الأعمال، فهل تبريره صحيح؟ ولو أخبرت القاضي بذلك حتما سيتضرر زوجي، وربما يطرد من الأعمال الأخرى، وبالتالي هل أكون ظلمته وانتصرت لنفسي؟ لأنني أسأل الله أن لا يبارك في ماله.

لن أثني على نفسي، صبر معه كثيرا، وغضضت الطرف عن إهماله لمسؤولياته، لكنه لم يراع ذلك، والطمع أعماه فلم يجد إلا الطلاق، يرفض أن نتخذ حكما بيننا، ويرفض الصلح، وقلت له إن كنت ناشزا عليك ان تتدرج معي في العلاج من نصح وهجر وضرب قبل الطلاق، وإن كنت عقيما فعليك بعلاجي واتخاذ الأسباب، ومن بينها أخد الدواء الكيميائي وليس الطبيعي، وهو يرفض فكرة التلقيح رغم أنني سأدفع ثمن العملية من مالي، عليه أن يوافق فقط، لكنه أبى بشدة، ولا أراه يدعو الله بالذرية الصالحة في قيام أو صلاة.

فهل طلاقه أمام الله فيه ظلم لي؟ وهل يجوز لي الدعاء عليه؟ لأنني أرغب أن ينتقم منه الله في الدنيا وليس في الآخرة.

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم سلسبيل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
الظلم أيا كان إنما يصدر من شخص منعدم الإيمان، أو ضعيف الإيمان يجهل عظمة وعقوبته، قال ربنا جل في علاه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).

قوة الإيمان تمنع صاحبها من الوقوع في الذنوب والمعاصي، لأن الإيمان يولد في القلب رقابة الله سبحانه، يقول -عليه الصلاة والسلام- كما روى الشيخان في صحيحيهما: (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، والمقصود أنه لا يقع في الذنب في حال كون إيمانه كاملا.

الحياة الطيبة لا تنال إلا بالإيمان والعمل الصالح، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الإنسان بطبعه يحتاج لمجالسة الناس والاحتكاك بهم، ولا يمكن أن يعيش منعزلا عنهم، لكن الله سبحانه أرشدنا إلى مجالسة الأخيار وترك الأشرار، حتى لا يؤثروا علينا فنقع فيما وقعوا فيه من معصية الله تعالى، يقول سبحانه: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).

وحين يكون المنحرفون في النار يقولون:( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ويقول المؤمن يوم القيامة حين لا يرى الصديق المنحرف في الجنة فيحاول أن ينظر في حاله: (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

لقد حذرنا -عليه الصلاة والسلام- من مرافقة السيئين لما لهم من تأثير سلبي ففي الحديث: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

لا يحل لزوجك أن يستولي على أموالك من أجل أن يعبث بها ويصرفها في أموره الشخصية التي قد تكون محرمة في بعض الأحيان، وجزاك الله خيرا أنك كنت تصرفين على بيتك منها، والأصل في النفقة أنها على الرجل وليست على المرأة، لكن إن طلب إعانته مقابل إذنه لك بالعمل فلا بأس في هذه الحال.

اجتهدوا أن يكون حل الإشكال وديا فيما بينكما ما لم فليختر كل منكما حكما من أهله كما أمر الله بذلك بقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).

إن أصر على إبقاء الأمر لدى المحكمة، وكانت شكواه كاذبة، فلا بأس أن تقدمي ما يدفع كذبه لأنه في النهاية يريد الطلاق وليس الصلح، فلا بأس من تقديم التحاليل الخاصة به وبك لتدفعي عن نفسك التهمة بأنك السبب في عدم الإنجاب، ولا بأس من التحدث عن وظائفه التي يعمل بها كونه يريد بذلك التهرب من التبعات المالية، لأنه سيوقعك في مأزق وسيحملك المسئولية بعد الطلاق.

لا أنصحك بالدعاء عليه بأي شكل من الأشكال، وإنما قولي حسبي الله ونعم الوكيل، فالله كافيك شره وشر كل ذي شر.

ربنا جل في علاه ينتصر للمظلوم من الظالم كما ورد في الحديث: (إن الله ليمل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

لا شك أنه يأثم بفعله هذا كونه متعد وظالم ومفتري ومقصر في واجباته تجاه أسرته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( من ولاه الله رعية ثم لم يحطهم بنصحه إلا لم يرح رائحة الجنة)، ويقول: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول).

الطلاق بدون سبب ظلم لما فيه من إفساد لحياة المرأة، ولكونها تتحمل تبعات ذلك، وربما تعثر زواجها بعده أو تأخر، وعليه فإن الزوج في مثل هذه الحالة يأثم على وقوعه في الظلم.

أوصيك أن تتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى أن يكفيك الله شره، وأن يرفع عنك الظلم، وأن يختار لك ما فيه الخير.

كوني راضية بما قضاه الله وقدره لك، ففي الرضا سعادة لا توصف، وقدر الله كله خير للمؤمن كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).

أكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) ولا تدعي بظلم ولا بقطيعة رحم.

نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات