الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس في العقيدة تخيفني على ديني، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من وساوس العقيدة، ونصحوني أن لا أتجاوب معها، وأن أستعيذ بالله منها، وفعلت، لكني أخاف على ديني، وصرت أشعر أني أعبد الله خوفا من النار، وأصدق هذا الشعور، وتأتيني أفكار غريبة عن الكون والخلق، أخاف أن ينتقض ديني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك –أختي الكريمة– وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، سائلاً الله لك الثبات والعافية والعفو والسلامة من كل سوء ومكروه.

- بخصوص هذه الوساوس الشيطانية التي تهجم عليك بغير قصد منك ولا إرادة ولا اختيار، فإنك ولا شك معذورة شرعاً لا تؤاخذين عليها؛ لما تقرر في قواعد الفقه أن التكاليف متعلقة بالقدرة والاستطاعة، ولا تكليف بغير المقدورعليه؛ لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقوله: (ربنا لا تحملّنا ما لا طاقة لنا به) (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقد أجمع العلماء أن من موانع التكفير أعذار الجهل والخطأ والنسيان والتأويل والإكراه (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا...)، وفي الحديث الحسن بمجموع طرقه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وقد ورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).

وبصدد الحل والعلاج فإن الواجب عليك التالي:
- استحضار ما دلّت عليه النصوص الشرعية من سعة رحمة الله تعالى وعَفوِه وكرمه ورحمته.

- كراهية هذه الوساوس والخواطر الشيطانية، والحرص على النفور منها والمدافعة والمجاهدة لها، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنّة هي المأوى) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، فتكونين بذلك مثابة مأجورة؛ لما صح عند مسلم: (أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا النبي فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم, قال : ذاك صريح الإيمان)، قال الإمام النووي ما معناه: أي إن استعظامكم الكلام به لشدة الخوف منه والنطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أوجدتموه! الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، وقال: (ذلك صريح الإيمان).

- وعليه فلا ينبغي لك أن تتهمي نفسك ودينك، فإن من شأن هذه الوساوس أن تخالج أهل الصلاح أيضاً كما حصل للصحابة الكرام
-رضي الله عنهم- فما دمت حريصة على كراهيتها ومدافعتها فـأنت في سلامة وخير، قال تعالى:(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون* وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) والمعنى: أن أهل التقوى مع هذه الوساوس مبصرون، بينما إخوان الشياطين معها منقادون مسترسلون، نسأل الله الثبات والعافية.

- كما والواجب عليك الصبر على هذا البلاء، والثبات على أمر الله ودينه، واحتساب الثواب وحسن الجزاء يوم اللقاء، والرضا بالقضاء مع حسن الظن بالله والثقة بالنفس وصدق الالتجاء إلى رب الأرض والسماء بخالص الدعاء، فهو القائل سبحانه: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقل كما قال نبي الله أيوب عليه السلام: (أني مسني الشيطان بنصبٍ وعذاب)، وقل (إني مسني الضُر وأنت أرحم الراحمين)، وأبشري بالفرج القريب من الله تعالى السميع المجيب سبحانه.

- ضرورة الإعراض عنها والتغافل والتناسي لها وعدم التكلم بها والاسترسال معها قطعاً لطريق الشيطان الرجيم (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)، (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).

- عدم الاعتبار لهذه الوساوس، وضرورة الاعتقاد بأن مصدرها وموردها الشيطان الرجيم، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والإكثار من ذكر الله تعالى لاسيما أذكار الصباح والمساء وأعمال اليوم والليلة وقراءة القرآن، لاسيما سورة البقرة وسور الإخلاص والمعوذتين (وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).

- كما أوصيك بمراجعة الطبيب النفسي عند اللزوم ما أمكن؛ فإن العلاج الدوائي يهيّئ للعلاج السلوكي -بإذن الله- وفي الحديث: (تداووا عباد الله، فإن الله ما أنزل داءً إلا جعل له دواءً).

- الاهتمام بدفع الضغوط عن النفس بمزاولة الرياضة البدنية والترويح عن النفس.

- لزوم وسؤال أهل العلم ومجالسة الصحبة الواعية الطيبة.

- وأما بخصوص عبادة الرب تعالى: فالواجب أن يكون عن حب وخوف ورجاء، كما قال تعالى: (ويدعوننا رغباً ورهباً) وقال: (يرجون رحمته ويخافون عذابه)، وهو ما يظهر من حالك من خلال التأمل في سؤالك بفضل الله عليك، فلا مجال للأوهام والوساوس والظنون -أختي وابنتي الفاضلة الكريمة حفظك الله-.

- ومن المهم هنا تنمية الإيمان والعقيدة بطلب العلم النافع والعمل الصالح، وقراءة الكتب الإيمانية والعلمية والوعظية واستماع الخطب والمحاضرات والبرامج العلمية النافعة والمفيدة والقريبة من مستوى الفهم، فالإيمان دين العقل السليم والفطرة السوية وله الأثر العظيم في السكون (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةٍ طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

- وقال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، وطرد الوساوس الشيطانية والقهرية (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).

- ضرورة اللجوء والإلحاح على الله بالدعاء وسؤاله الثبات والإيمان والعقل واليقين والعفو والعافية.

أسأل الله أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويربط على قلبك وينير عقلك ويزكي نفسك ويطهِّر قلبك، ويثبتك على دينك ويصرف عنك وساوس النفس الأمّارة بالسوء والهوى والشيطان الرجيم؛ إنه سميعٌ عليم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً