الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغيرة على الزوج نتيجة وجود علاقة بينه وبين امرأة أخرى في إطار دراسته

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا امرأة محبة لزوجي جداً، وأثق تمام الثقة بأنه لن تجمعه أي علاقة محرمة بأي امرأة أخرى، لكن بحكم دراساته لرسالة الماجستير وعلمه بغيرتي كان يخفي عني علاقته الدراسية بزميلة له بحكم أنهما يتشاركان بعض المعلومات الدراسية، وبعد أن اكتشفت ذلك بالصدفة قلّت ثقتي في مدى مصداقيته.

وقد وعدني أنه لن يخفي علي أي مكالمة مع تلك الزميلة، بل وأنه سيقطع علاقته بها بحكم انتهاء المصلحة التي كانت تجمعهما، لكن هذه الزميلة لا تنفك عن الاتصال به لتطلب منه بعض المساعدات في مجالات حياتية عملية تخصها، وهو يشعر بالإحراج في عدم الرد على مكالماتها مقابل ما قدمته هي من مساعدات دراسية له، وقد حاولت إقناعه بكل ما أوتيت من نصح عن طريق الدين والمشاركة الزوجية، وأكثر من ذلك عدم الرضا على تلك المكالمات، علماً أن الحديث لا يخرج عن نطاق الاحترام، ويتحدث معها أمامي بلا خجل.

ومما يزيد من عدم راحتي لهذه الفتاه أنني حلمت بها كثيراً أنها ثعبان لدغ زوجي، وغير ذلك من الأحلام المتكررة التي كانت تحدث بعدها خلافات كبيرة بيني وبين زوجي، وأخيراً فإنه قد اقتنع وأقسم لي بالله أنه لن يردّ على مكالماتها بعد الآن، حيث أنه يريد أن يعيش معي في هدوء وسكينة بعد أن أصبحت حياتنا لا تطاق بسبب كثرة الخلافات القائمة على نفس الموضوع، فكيف أقنعه برغبتي في قطع علاقاته بها؟ حيث أني أشعر بأنه غير مقتنع بفكرتي؛ لأنه يرى أن غيرتي لا محل لها، خصوصاً تجاه هذه الفتاة.
وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يُذهب عنك هذه الغيرة، وأن يعيد إليك الثقة في زوجك كما كانت وأفضل مما كانت، وأن يصرف عنكما كيد شياطين الإنس والجن، وأن يقضي على كل ما يثير هذه الغيرة ويؤدي إلى تلك المشاكل، وأن يعينكما على السيطرة على المشاكل والقضاء عليها، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن غيرتك مزعجة إلى حد بعيد وهي وإن كان لها بعض الوجه إلا أنها وصلت إلى الوضع المقلق الذي يهدد الحياة الزوجية، فأنت تريدين أن تحافظي على زوجك، ولكنك قد تفقدينه في أسرع وقت؛ لأن الرجل قد يصبر ولكن مع كثرة الضغط قد يحتاج إلى تنفيس، وأنت بذلك تدفعين زوجك أولاً إلى الكذب أو الخيانة، وتدفعينه إلى أن يفعل عكس ما تريدين؛ لأن هذه الغيرة التي عندك غيرة مرضية، خاصة وأن الرجل يكلم الفتاة أمامك، ورغم أنك لا تحبين ذلك ولا تطيقينه، ولكن الرجل لا يخجل والكلام لا يخرج عن نطاق الاحترام ويتحدث معها أمامك ولا يخفي عنك شيئاً، فهو قد قرب لك المسافة، فطبيعة الحياة الآن معقدة؛ لأن ظروف العمل قد جمعتهما، وزوجك أخبرك بالأمر، ولكنه أقول أنه قد يقيم علاقة أخرى ولا يخبرك بشيء؛ لأنه يعرف أنك لا تقدرين الأمور حق قدرها.

وإن موقف زوجك موقف طبيعي ما دام الأمر يحدث أمامك ولا يحدث شيء من ورائك، وأنت بهذه الغيرة ستجعلينه غير طبيعي، وبغيرتك المفرطة الزائدة قد تفقدين أسرتك كلها، لأنك تريدين أن تحافظي على زوجك ولكنك قد تفقدينه؛ لأن لكل صبر حدود ونهاية، والرجل قد يتحمل لسنوات، وأعتبر أن زوجك رجلاً عاقلاً لأنه يتعامل معك بنوع من التفاهم والمودة والعقلانية، ولكن حرصك الزائد وغيرتك الشديدة سوف تضرك ضرراً بليغاً، فلا تواصلي هذه المسيرة الفاشلة، والغيرة الطبيعية هي التي تكون في محلها شرعاً، وأما هذه الغيرة فهي نوع من الغيرة المرضية الذي ينبغي أن تتخلصي منها، وأعلم بأن الأمر صعب وأن المرأة التي تحب زوجها تغار عليه فعلاً، ولكن هذه الغيرة زائدة عن الحد وهي مضرة، ولذلك أتمنى أن تكثري الدعاء أن يعافيك الله عز وجل من هذا البلاء.

وهذا كما حدث لأم سلمة رضي الله عنها عندما تقدم لها النبي عليه الصلاة والسلام ليخطبها فقالت: (إني امرأة شديدة الغيرة ولا أطيق، فقال: أما غيرتك فسأدعو الله أن يُذهبها)، فإذن الغيرة قد تذهب بالدعاء، فأنت عليك بالدعاء أن يُذهب الله عنك حدة هذه الغيرة وأن يجعل حياتك مع زوجك حياة طبيعية وأن يثبته على الحق وألا يجعله يملَّ منك.

وما تفعلينه سيذهب بعرشك كله ويدمر عرشك كاملاً ويفقدك زوجك وأسرتك؛ لأن هذه الأمور إن استمرت قد يضطر الرجل معها - مداراة لك - أن يتكلم من ورائك، وإن سألته كذب عليك، فأوقعته في كبيرة من الكبائر وهي كبيرة الكذب، وقد يخونك أيضاً وبذلك أوقعته في جريمة الخيانة لأنك لم تجعلي الأمر طبيعياً، وإنما وجودك أثناء الحديث هذا كفيل بأن يقضي على كل شيء، فإن وجدت في كلامه شيئاً من التصنع أو وجدت في كلامه شيئاً مما لا يليق تنبهينه بأن يتق الله تعالى، لأنه إذا لم يخش الله لم يخشك، فأنت لست معه على مدار الساعة وإنما أنت معه في أوقات قليلة وما سوى ذلك فالذي معه ولا يغيب عنه أبداً إنما هو الله جل جلاله.

فتوقفي عن ذلك فوراً ولا تكلميه في ذلك، ودعي الأمر لدينه وأخلاقه، وقولي له: إنك تعلم بأن غيرتي إنما هي بسبب المحبة وأنا ثقتي فيك عظيمة وإني سأتركك لما أكرمك الله به من دين وإيمان، فعاملها كما تحب أن يعاملني أي رجل أجنبي، لأنك إن تكسرت معها أو تهاونت معها أو تلطفت معها فلعلك تُبتلى في عرضك وأعتقد أنك لا تطيق ذلك، فعامل الناس بما تحب أن يعاملوا به أهلك.

نسأل الله لك التوفيق والسداد في هذه المهمة وأن يعينك الله على إنجازها في أسرع وقتٍ حماية للأسرة من الدمار والضياع.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً