الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التغلب على الخجل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندما أرى أحداً يفعل منكراً أستحيي من إنكار المنكر، فكيف أتغلب على هذا الحياء؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، ونحن نسعد بزياراتك المتكررة لموقعك إسلام ويب، فلا داعي للأسف، فإننا هنا جميعاً في خدمتك وخدمة إخوانك من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن قضية إنكار المنكر ليست بالعمل الهين أو السهل، فهي في المقام الأول وظيفة الأنبياء والمرسلين، الذين هم كبار أولياء الله تعالى وعظماء بني آدم جميعاً؛ لأن تغيير الواقع ليس بالأمر الهين السهل، فإنه من السهل على الإنسان أن يبني بيتاً، وأن يهدمه ليبني بيتاً في مكان آخر، أو أن يلبس ثوباً ثم يخلعه ليلبس ثوباً آخر، أو أن يصبغ جداراً أو أن يرسم لوحة ثم يقوم بتغييرها إلى شيء آخر، أما أن تغير سلوك الإنسان فهذا أمر من الصعوبة بمكان، ولذلك أول من قام بعملية التغيير الكبرى على مستوى الإنسانية جميعاً إنما هم الرسل والأنبياء، تغيير أنماط السلوك، تغيير المعتقدات، تغيير الأفكار، تغيير العادات، بل تغيير المشاعر والعواطف.

هذه وظيفة كبار الخلق كما ذكرت لك، ومن هنا تجد أن معظم الناس لا يقدرون عليها، لست أنت وحدك، بل هناك أناس وصلوا من الكبر عتياً أيضاً لا يجرؤون على أن ينكروا المنكر؛ لأنهم ليست لديهم القدرة الذاتية على ذلك؛ لأنك عندما تتحدث مع إنسان تريد أن تغير سلوكاً من سلوكياته؛ فإنه قد يقول لك كلاماً لا تتوقعه، بل إنه قد يتصرف معك تصرفاً لم يكن يخطر ببالك أو يدور بخلدك، ومن هنا فإن إنكار المنكر علم من العلوم، وفن من الفنون، وهو في نفس الوقت عبادة من العبادات، وقربة من القربات.

من الأسباب التي تؤدي إلى وجود الحياء من إنكار المنكر عدم معرفة الثواب والأجر المترتب على ذلك، فإن إنكار المنكر له أجر عظيم إذا قام به الإنسان وُفق ضوابط الشرعية، كذلك أيضاً من أسباب هذا الحياء الذي تعاني منه إنما هو عدم معرفة العقاب المرتب على عدم إنكار المنكر، فإن الله توعّد من رأى المنكر فلم يُنكره أن يعمه بعذاب وعقاب من عنده، فإذا كان المنكر منكراً فردياً، وأنت قد علمت به ولم تُنكره، وأنت قادر على إنكاره، فقد عرضت نفسك لخطر عظيم، وعرضت نفسك لعقاب الله الأليم، وكذلك إذا كان المنكر منكراً عاماً، والأمة لم تقف صفاً واحداً في وجه هؤلاء الذين يفعلون المنكرات، فإن الله تبارك وتعالى أوشك أن يعاقبها كلها، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه).

كذلك أيضاً من آثار عدم إنكار المنكر أن الناس يدعون فلا يستجيب الله لهم كما ورد في الحديث، فمعرفة الآثار المترتبة على عدم الإنكار هي التي تؤدي إلى انعدام هذا الحياء والقضاء عليه، كذلك أيضاً عدم معرفة فقه إنكار المنكر، فإن الإنسان قد يخشى أنه إذا أراد أن يُصلح أن يُفسد؛ لأن إنكار المنكر بما أنه عبادة فلابد له من قواعد، ولابد له من ضوابط وأصول، ولذلك أنا واثق أنك إذا قرأت أبسط كتاب عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لتتعلم منه فقه الأمر والنهي؛ لأن المنكر له ضوابط: ما هو المنكر؟ قد يكون الأمر منكراً بالنسبة لك، ولكنه ليس منكراً شرعاً.

فإذن لابد من معرفة المنكر، ومعرفة ماذا قال الشرع فيه، وهل هو منكر مجمع عليه أو مختلف فيه؟ كذلك المعروف نفس الشيء، فإذا أردت أن تتغلب على هذا الحياء الذي ذكرته، فلابد أن تقرأ في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كتاباً معتبراً، والمكتبة الإسلامية فيها عشرات الكتب التي تتكلم عن هذه العبادة العظيمة التي هي مثابة الجهاد الداخلي؛ لأن الجهاد ينقسم – كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله – إلى قسمين: جهاد العدو الخارجي الظاهر، وأيضاً جهاد المعصية والمعاصي والعصاة، وفي هذا يقول: وهذا أخطر من جهاد العدو؛ لأن البيئة إذا فسدت فسد أهلها، وإذا فسد أهلها عجزوا أن يقفوا في وجه عدوهم. يعني: هب أمة الآن انتشر فيها الزنى، وأصبح كالماء والهواء، هل تتصور هؤلاء الزناة يستطيعون أن يقفوا في وجه عدوهم، وأن يتخلوا عن الزنى؟ يريدون معهم النساء في الميدان، وهذا أمر لا يتناسب مع ظروف القتال والحرب، وبالتالي لا يستطيعون أن يحموا أرضاً، ولا أن يذودوا عن عرض.

فلابد لك من تعلم فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولاً، وإذا تعلمت ذلك فسوف تنتهي هذه المشكلة نهائياً، وسوف تجد نفسك قادراً على الأمر بالمعروف بضوابطه، وقادراً على إنكار المنكر أو النهي عنه بضوابطه؛ لأنك ستتعرف على قواعد العبادة وأصولها، ومن الذي تُنكر عليه، ومن الذي لا تنكر عليه، وبذلك ستحل هذه المشكلة نهائياً، هذا من الجانب العلمي، ثم يأتي أيضاً من الجانب الروحي الدعاء إلى الله، والتضرع إليه أن يعينك على ذلك، فإنك تعلم أن الله أمرك بالدعاء ووعدك بالإجابة، كما قال: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[غافر:60]، فهذا وعد الله الذي لا يتخلف، ولذلك كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء).

نسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية والرشاد والتميز في مستواك العلمي بين أقرانك، حتى تكون علَماً كبيراً، وحتى تكون صاحب احترام وتقدير ممن يتعاملون معك، وأن تكون صاحبة كلمة عليا؛ لأن الأقوياء دائماً صوتهم أسمع وكلمتهم نافذة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً