الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أثناء حملي في ابني قلت لو رزقني الله بولد سوف أذبح خروفا وبعدها سمعت من أحد الشيوخ أن هذا النذر المشروط هو حرام فهل هذا صحيح؟ وهل علي كفارة؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى

النذر المعلق على شرط كحصول مولود مثلا حكمه الكراهة عند أكثر أهل العلم، ومنهم من قال بتحريمه، وعلى كل فيجب الوفاء به إذا حصل المعلق عليه، وإن لم يحصل فلا يلزم شيء لا كفارة ولا غيرها.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالنذر المعلق على شرط كحصول مولود أو شفاء مريض مثلا ونحو ذلك حكمه عند أكثر العلماء الكراهة وليس التحريم ففي فتح الباري للحافظ ابن حجر: وَقَدْ ذَكَرَ أَكْثَر الشَّافِعِيَّة - وَنَقَلَهُ أَبُو عَلِيّ السِّنْجِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيّ - أَنَّ النَّذْر مَكْرُوه لِثُبُوتِ النَّهْي عَنْهُ وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَالِكِيَّة وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُمْ اِبْن دَقِيق الْعِيد، وَأَشَارَ اِبْن الْعَرَبِيّ إِلَى الْخِلَاف عَنْهُمْ وَالْجَزْم عَنْ الشَّافِعِيَّة بِالْكَرَاهَةِ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَيْسَ طَاعَة مَحْضَة لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ خَالِص الْقُرْبَة وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسه أَوْ يَدْفَعَ عَنْهَا ضَرَرًا بِمَا اِلْتَزَمَهُ. وَجَزَمَ الْحَنَابِلَة بِالْكَرَاهَةِ، وَعِنْدهمْ رِوَايَة فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَتَوَقَّفَ بَعْضهمْ فِي صِحَّتهَا، إلى أن قال: وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " بِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيث مِنْ النَّهْي عَلَى نَذْر الْمُجَازَاة فَقَالَ: هَذَا النَّهْي مَحَلّه أَنْ يَقُول مَثَلًا: إِنْ شَفَى اللَّه مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَدَقَة كَذَا، وَوَجْه الْكَرَاهَة أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ فِعْلَ الْقُرْبَة الْمَذْكُور عَلَى حُصُول الْغَرَض الْمَذْكُور ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّض لَهُ نِيَّة التَّقَرُّب إِلَى اللَّه تَعَالَى لِمَا صَدَرَ مِنْهُ بَلْ سَلَكَ فِيهَا مَسْلَك الْمُعَارَضَة، وَيُوَضِّحهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْفِ مَرِيضه لَمْ يَتَصَدَّق بِمَا عَلَّقَهُ عَلَى شِفَائِهِ، وَهَذِهِ حَالَة الْبَخِيل فَإِنَّهُ لَا يُخْرِج مِنْ مَاله شَيْئًا إِلَّا بِعِوَضٍ عَاجِلٍ يَزِيد عَلَى مَا أَخْرَجَ غَالِبًا. وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ فِي الْحَدِيث لِقَوْلِهِ " إِنَّمَا يُسْتَخْرَج بِهِ مِنْ الْبَخِيل مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُخْرِجهُ " قَالَ: وَقَدْ يَنْضَمّ إِلَى هَذَا اِعْتِقَاد جَاهِل يَظُنّ أَنَّ النَّذْر يُوجِب حُصُول ذَلِكَ الْغَرَض، أَوْ أَنَّ اللَّه يَفْعَل مَعَهُ ذَلِكَ الْغَرَض لِأَجْلِ ذَلِكَ النَّذْر، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث أَيْضًا " فَإِنَّ النَّذْر لَا يَرُدّ مِنْ قَدَر اللَّه شَيْئًا " وَالْحَالَة الْأُولَى تُقَارِب الْكُفْر وَالثَّانِيَة خَطَأ صَرِيح. قُلْت: بَلْ تَقْرُب مِنْ الْكُفْر أَيْضًا. ثُمَّ نَقَلَ الْقُرْطُبِيّ عَنْ الْعُلَمَاء حَمْل النَّهْي الْوَارِد فِي الْخَبَر عَلَى الْكَرَاهَة وَقَالَ: الَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيم فِي حَقّ مَنْ يُخَاف عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَاد الْفَاسِد فَيَكُون إِقْدَامه عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا، وَالْكَرَاهَة فِي حَقّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِد ذَلِكَ. انتهى. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَيُؤَيِّدهُ قِصَّة اِبْن عُمَر رَاوِي الْحَدِيث فِي النَّهْي عَنْ النَّذْر فَإِنَّهَا فِي نَذْر الْمُجَازَاة. انتهى

وعليه، فإذا رزقت بمولود وجب عليك ذبح خروف كما نذرت، وإن لم ترزقي بولد فلا يلزم شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني