الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

على طلبة العلم مراعاة أدب الخلاف وترك التنابز بالألقاب

السؤال

وبعد تحيتي لكم أقدم لكم استفساري هذا والمتعلق بخلافات بين شباب أعرفهم جميعا في قضية الحكم بغير ما أنزل الله، وتكمن المشكلة في أن هؤلاء يحذرون من هؤلاء ويرمونهم بكلمة ما كنت أحب ذكرها ولكن للتوضيح (سرورية) ويرمونهم بالبدعية والضلال، والقسم الآخر يتحدث عن هؤلاء وكونهم مرجئة هذا الزمان وغيرها مما أحزن والله من سماعه من كلا الطرفين.
عموماً سؤالي ليس تحديدا عن القول في هذه المسألة بقدر ما هو تساؤل عن التعامل الواجب مع أحد الفريقين إذا كنت أقول بقول الآخر، وبصورةٍ أوضح هل تبدع هذه المسألة طرفا دون طرف بحيث تمنع الجلوس معه والسماع لقوله وعلمه وهجرانه، أم أنها من المسائل التي يسعنا فيها الخلاف مع الآخر ومن جملة الخلاف المعتبر الذي لا يفسق ولا يبدع صاحبه خاصة وهو يأتي بالدليل وأقوال العلماء، علما أنني بحمد الله ما حاولت قط جعل هذه القضية مدعاة للفرقة والهجر بيني وبين أي من الطرفين، بل أرى الإثنين أصحاب خير وعلم وعقيدة صحيحة ودعوةٍ لصحيح منهج الإسلام، آسف لإطالة السؤال.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يخفى أن الشرع قد أمر بالوحدة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وقد ثبتت بهذا الأصل كثير من نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ { آل عمران: 103}. وقال سبحانه: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران: 105}.

وروى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة. وزاد الترمذي في روايته: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم أفشوا السلام بينكم.

ومن المعلوم أن الله تعالى قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند ورود الاختلاف فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً { النساء: 59}. وقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {الشورى: 10}.

فعلى هذا، فلا يليق بهؤلاء الإخوة أن يصل بهم الخلاف إلى هذا الحد من التفرق والتنابز بمثل هذه الألقاب، وكتاب الله بين أيديهم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، فليتحاكموا إليهما وليتحاوروا في مثل هذه المسألة بكل تجرد ودون هوى أو عصبية ، وهذه المسألة قد بحثت في كتب أهل العلم منذ قديم الزمان.

وينبغي لهؤلاء الشباب أن يراعوا فيما بينهم أدب الخلاف وحسن الأسلوب في التحاور، وأما أن يسارع الدعاة إلى أن يكفر بعضهم بعضا أو يفسق بعضهم بعضا أو يبدع بعضهم بعضا، فليس هذا من شأن أهل السنة والجماعة، بل من طريقة أهل البدعة والفرقة. فهذا مما قد يشغل عن الهدف الأسمى وهو الدعوة إلى الله تعالى وتعليم الأمة أمر دينها والتصدي لعدوها المشترك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني