الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحفلات المشتملة على المنكرات

السؤال

أنا موظف أعيش في دولة عربية مسلمة، وأعمل في شركة أجنبية. و لدي سؤال عن وضعي في الشركة: تقيم الشركة حفلا سنويا تقدم فيه الخمور و تعزف الموسيقى و يرقص الناس. وتدعو الشركة جميع الموظفين لحضور هذا الحفل بمن فيهم المسلمين. فهل يجوز لنا نحن المسلمين أن نحضر هذا الحفل و ولو لفترة قصيرة من باب مراعاة شعور زملائنا غير المسلمين علماً بأنه يتم تخصيص مجموعة من الطاولات في مؤخرة الحفل للمسلمين حيث لاتقدم الخمور على هذه الطاولات؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز لكم حضور هذه الحفلات المشتملة على المنكرات المذكورة من الخمر والموسيقى والرقص، ولو كان ذلك لفترة قصيرة، ولا يجوز للمسلم أن يقع في المحرمات مراعاة لشعور غيره من غير المسلمين، فإن الحضور في الأماكن التي يجهر فيها بالمعاصي لا يجوز إلا لمن كان قادراً على إزالة تلك المنكرات. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان:72} .

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، قيل هو الشرك وعبادة الأصنام ، وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل ، وقال محمد ابن الحنفية : هو اللغو والغناء ، وقال عمرو بن قيس: هي المجالس السوء والخنا ، وقال مالك عن الزهري : شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر. انتهـى .

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فيها تَصَاوِيرُ، فلما رَآهَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قام على الْبَابِ فلم يَدْخُلْ ... الحديث .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال : فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك، وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع .... وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا: إن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك، وإن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان؛ أحدهما: يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر ... والوجه الثاني للشافعية: تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر ... فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك، وعلى ذلك جرى الحنابلة، وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا، حكاه ابن بطال وغيره عن مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين. أخرجه الطبراني في الأوسط. ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. وإسناده جيد . انتهـى .

وكلام الحافظ ابن حجر على الدعوة التي تلزم إجابتها وهي إذا دعا المسلم أخاه المسلم بعينه إلى وليمة لا يوجد فيها معصية فإجابته واجبة عند الجمهور، أما الدعوة التي لا تجب إجابتها كدعوة غير المسلم – كما هو الحال في السؤال – فالذي يؤخذ من كلام الحافظ ابن حجر أنه يجوز حضورها بشرط الإنكار، كما أنه يجوز عدم حضورها ابتداءً. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها : 66760 ، 102825 ، 116975 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني