الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز نكاح التائبة من الزنا

السؤال

أنا سيدة متزوجة، أعاني من الوسوس القهري، وقد مرضت بهذا الداء في فترة الخطوبة، وكان ذلك بسبب الأفعال اللاأخلاقية التي كانت في الماضي خاصة وأني أقمت علاقة جنسية مع أحد الشبان، المهم أني رأيت أنه من واجبي إخبار خطيبي بذلك، ففعلت وأعلمته بجزء من الماضي بما في ذلك علاقتي الجنسية، وحمداً لله لم يتخل عني، لكن بعد فترة بدأ يتغير وشعرت أنه يسعى لإنهاء الخطوبة، وكلما سألته إن كان يرغب في العدول عن الخطوبة ينفي ويقول أنه سوف يصارحني بذلك مباشرة لو أراد العدول عن الخطبة، المهم أني بدأت أشك في صحة كلامه مما جعلني أعود للتفكير في الماضي وشعرت أنه السبب في التغير الذي أصاب خطيبي، ومن هنا بدأت الوساوس القهرية تطاردني خاصة فكرة ضرورة إعلام خطيبي بكل الماضي وإن لم أفعل فسأخدعه، وفي كل مرة كان يهاتفني كنت أعترف له بإحدى أخطاء الماضي لدرجة فقدت فيها التركيز وبدأت أشك في حديثي معه، فأتساءل هل قلت له كذا أم لا؟ مرضت نفسيتي كثيرا فلجأت إلى طبيب نفساني قررت أن أغير حياتي فبدأت أتقرب من الله، فتحسنت نفسيتي شيئا ما، وفي مرة قرأت سورة النور فلفت انتباهي الآية التي مفادها أن الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، مما سبب لي القلق باعتبار خطيبي لم يزن وليس مشركا، وبدأت الشكوك حول جواز عقد قراني به، المهم عقدنا القران، وتزوجنا وأنجبنا ولدا، ومرت علي فترات عصيبة حيث كان الوسواس القهري يشتد علي فتتسلط علي أفكار قهرية ترهبني وتنغص علي حياتي منها حضور النية السيئة في معظم أفعالي، وحديثي وحتى حركاتي فأشعر بأني خائنة، ومنها اعتقادي بأني سبق لي الزواج من قبل بشخص كنت على علاقة به وذلك حيث فعلت معه ما يسمى بزواج الدم غير أن ذلك كان قصده كي لا نفترق، فلما سمعت بهذا النوع من الزواج سيطرت علي فكرة أن ما فعلته مع ذلك الشاب كان بنية الزواج وزواجي الحالي باطل، فمرت علي أوقات كدت أجن فيها رغم أن الفقهاء وطبيبي وأهلي كانوا يؤكدون أن ذلك ليس بزواج إلى أن من الله علي بالشفاء، المهم أهنأ فترة وأعاني أخرى حيث اختلفت الوساوس فكانت في الوضوء، الصلاة، الذكر، حتى زوجي إذا قال لي ابنتي مداعبا كنت أشك في أنه ربما قصد الظهار وغيرها من الوساوس، ومؤخراً بدأت وساوس الخيانة تطاردني وأنا لا زلت أواظب على العلاج لدى الطبيب، لكن زادت الوساوس أيضا لما قرأت سورة النور وخاصة الآية التي تنهى عن زواج المسلم بزانية، فأنا الآن أشك في صحة زواجي وتسيطر علي فكرة أنني كنت على علم بأن زواجي باطل ومع ذلك أقدمت عليه، مع العلم أني حريصة جدا على الإخلاص لزوجي وأن أعيش في الحلال وأخاف كثيرا من الخيانة والعيش في الحرام. فأرجوكم أفيدوني في هذا الأمر وساعدوني في إدراك حقيقة زواجي. هل ما أعانيه هي مجرد وساوس أم يمكن أن يكون زواجي باطل؟ أود أن لا تبخلوا علي بالنصيحة وأتمنى ردا في أقرب وقت ممكن؟ وجزاكم الله عني خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه أن يعافيك من هذه الوساوس وأن يصرف عنك السوء. واعلمي أن هذه الوساوس من الأدواء الوبيلة وعواقبها سيئة وخيمة سواء كانت في أمور العبادة من طهارة وصلاة ونحو ذلك، أو كانت في الأمور الدنيوية. فعليك أن تبذلي جهدك للتخلص منها، واعلمي أن من أعظم أسباب الخلاص منها الإعراض عنها، كما بيناه في الفتوى رقم: 125093.

أما بخصوص هذا الزواج فإنه صحيح ما دام قد وقع مستوفياً شروطه وأركانه من ولي وشهود ونحو ذلك، وما حدث منك مما يعرف بزواج الدم لا ندري مقصودك به على وجه التحديد، فإن كنت تقصدين هذه الصورة المنكرة التي انتشرت هذه الأيام وهي أن يقوم العشيقان بجرح بعض الأماكن في جسدهما حتى يسيل منها الدم ثم يمزج كل منهما دمه بدم الآخر للدلالة على شدة تمسك كل منهما بصاحبه كما يزعمون فهذا ليس بزواج أصلاً بل هو من وحي الشيطان وكيده للناس، ولا يترتب عليه إلا الإثم والخطيئة واستجلاب سخط الله وغضبه.

وأما عن آية سورة النور فقد سبق تفسيرها ومذاهب العلماء فيها في الفتويين: 99942، 5662.

والراجح من أقوال أهل العلم أن الآية تدل على حرمة الزواج من الزانية قبل توبتها، ولكن هذا لا ينطبق على حالك لأن الظاهر من كلامك أنك بعد وقوعك في هذه الفاحشة قد تبت إلى الله وأخذت بأسباب التقرب إليه وانتهيت عنها فلم تقعي فيها بعد ذلك، بل إنك جعلت من تمام توبتك أن تخبري خطيبك بتفاصيل هذه العلاقة وغيرها، وهذا الإخبار -وإن كانت نيتك فيه طيبة- إلا أنه غير جائز أصلاً لأن من ابتلي بشيء من هذه المعاصي فواجب عليه أن يستتر بستر الله ولا يفضح نفسه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. صححه الألباني.

والخلاصة أن زواجك هذا صحيح لأنك عندما تزوجت بهذا الرجل لم يكن ينطبق عليك وصف الزنا، علماً بأن بطلان الزواج من الزانية التي لم تتب من الزنا ليس محل اتفاق بين أهل العلم بل هو محل خلاف سبق ذكره في الفتوى رقم: 5662. أما التائبة من الزنا فلا خلاف في جواز الزواج بها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني