الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إلزام الزوج بالخلع

السؤال

علمت أن الخلع يشترط فيه موافقة الزوج أما إذا لم يوافق فإنه لا يقع الخلع، بالنسبة للقوانين في بلدتي فهي تعطي المحكمة حق الخلع حتى ولو لم يوافق الزوج. السؤال هو: إذا لم يوافق الزوج على الخلع وحكمت المحكمة لها بالخلع. ما حكم الزوجة؟ هل يجوز لها أن تتزوج بآخر؟ وهل إقامتها في بيت أبيها لا يكون فيها لعنة من الله لأنها تاركة لزوجها؟ لو سمحتم أرجو الإجابة لكل الحالات التالية: 1- إذا لم تعلم الزوجة أن الخلع أصلاً من المحكمة باطل ثم أخبرها زوجها بفتواكم أن الخلع باطل 2- إذا أخبرها قبل انعقاد الحكم وجلسة الحكم وهي لم تقتنع أن هذا لا يصح وأنها لا تزال على ذمة الزوج 3- إذا قالت أن دار الافتاء في دولتنا لم تصرح بشيء من هذا القبيل لذلك فهو مطبق قانونا أن القاضي يحكم بالخلع حتى ولو لم يرض الزوج. ولم نسمع أن زوجة في عصر النبي خلعت ولديها طفل، فهل الخلع غير مرتبط بأي شيء وأصبح مجرد تطبيق لهوى النساء؟ جزاكم الله خيراً وأحببت أن أوضح أسئلتي تفصيلاً لأن الناس أصبحت تبحث عن ثغرات في الدين لكي يهربوا من الحكم الشرعي، وقضايا الطلاق والخلع كثيرة جداً الآن ونرجو أن تأخذ منكم اهتماماً بالغاً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد جاءت أحكام الله سبحانه مبنية على الحق والصدق والعدل في مجملها وتفصيلاتها، وقد اقتضت حكمته سبحانه إذ جعل الطلاق بيد الرجل وحده، وأن يجعل الخلع بيد المرأة حتى إذا ضاقت عليها الأمور وأغلقت في وجهها الأبواب وجدت مخرجاً من النكاح، فالخلع فداء بعوض من المرأة للزوج، تملك بموجبه أمرها، ولا يجوز للزوجة أن تلجأ إليه إلا إذا تضررت من زوجها ولم تقدر على الطلاق منه، أو خافت ألا تقوم بحقوقه الشرعية. وهو جائز بإتفاق أهل العلم لقول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة:229}. ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه فيه، ولا يتوقف العمل بالخلع على الحاكم أو القاضي، بل كلما اتفق الطرفان على الخلع فإنه يمضي وتملك المرأة بموجبه أمرها.

والأصل أن الخلع لا يجوز إلا بموافقة الزوجين، لأن المرأة فيه هي الباذلة للمال، ولا يجوز حملها على دفع مالها في الخلع بغير رضاها، كما أن الرجل هو المالك للعصمة ولا يصح حمله على تركها بغير رضاه، ولكن هذا الأصل قد يعدل عنه في بعض الأحوال كما إذا حصل شقاق بين الزوجين ولم يمكن إصلاحه، فقد أمر الله ببعث الحكمين في هذه الحال، قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا. {النساء:35}. ومثل هذا ما إذا تضررت المرأة بالبقاء في حبال الزوج وكرهته فيجوز للقاضي حينئذ أن يوقعه عليه إذا ثبت لديه بالقرائن حاجة الزوجة له. ولكن لا يجوز للمرأة أن تسارع إلى الخلع دون سبب فقد ورد الحديث بالزجر الشديد عن ذلك قال صلى الله عليه وسلم: إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات. رواه الطبراني وصححه الألباني.

جاء في فيض القدير: أي اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن لغير عذر هن منافقات نفاقاً عملياً.

قال ابن العربي: الغالب من النساء قلة الرضا والصبر فهن ينشزن على الرجال ويكفرن العشير فلذلك سماهن منافقات والنفاق كفران العشير، قال في الفردوس: وقيل إنهن اللاتي يخالعن أزواجهن من غير مضارة منهم. انتهى.

وعلى هذا فإنا نقول: ما دامت المرأة قد رفعت أمرها للقاضي طالبة للخلع وحكم القاضي لها بذلك فقد حصل الخلع وانحلت عقد النكاح بين الزوجين، وصار كل منهما أجنبياً عن الآخر، وإنما قلنا ذلك لأن القاضي لا يحكم بالخلع إلا إذا ثبت عنده موجب ذلك ولو بمجرد قول الزوجة إنها قد كرهت زوجها وصارت لا تطيق الحياة معه فإن هذا سبب كاف لإيقاعه والحكم به.

ثم إنا نقول: ما دامت الزوجة قد وصل بها الحال إلى أن ترفع أمرها إلى المحاكم تطلب من القضاة التفريق بينها وبين زوجها فلا شك أنها مبغضة له كارهة للبقاء معه، فأي مصلحة للرجل بعد ذلك في أن يمسك امرأة لا تحبه، وهل هذا إلا مناقضة لمقصود الشارع من الزواج حيث جعله سكناً ورحمة ومودة، وقد ألزم بعض الحكام الفضلاء الأزواج بالخلع في مثل هذه الحالات.

جاء في الإنصاف للمرداوي: وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه، فيباح للزوجة ذلك والحالة هذه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم الحلواني بالاستحباب، وأما الزوج فالصحيح من المذهب أنه يستحب له الإجابة إليه وعليه الأصحاب. واختلف كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله في وجوب الإجابة إليه. وألزم به بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني