الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من فقه إنكار المنكر

السؤال

هناك في منطقتنا العديد من المنازل التي تعلق على مداخل منازلها الخرز الأزرق أو الحذوات أو ما شابه ذلك من هذه الأمور، مع العلم أننا نصحنا الكثير بإزالتها، ولكنهم مستمرون في وضعها، فهل لنا إزالة هذه الأمور الشركية بأيدينا دون أن نخبرهم؟ وهل تعتبر هذه سرقة؟ ـ وأيضا ـ توجد في منطقتنا مكتبة تبيع مثل هذه الأمور وقمنا بنصح صاحبها فلم يقبل النصح واستمر في بيعها، فهل يجوز لنا أخذها من هذه المكتبة دون أن يرانا؟ مع العلم أن مستندنا على هذه الأفعال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم بتحطيم الأصنام بالخفية قبل الهجرة؟ وهل هذا الأثر ثابت عنه صلى الله عليه وسلم؟ وما مدى صحة حديث: من قطع تميمة فكأنما أعتق عشرة من ولد إسماعيل؟.
وأرجو أن تكون فتواكم مفصلة، لما نحن فيه من حاجة لأجوبتكم المباركة.
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن تعليق مثل هذه الأشياء نوع من أنواع الشرك، إذ هو من التمائم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.

وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

وقد سبق تعريف التمائم والنهي عنها، في الفتاوى التالية أرقامها: 4137، 51208، 32760، 27391.

وتعليق التمائم من الشرك الأصغر، إلا إن اعتمد العبد عليها، بحيث يثق بها ويضيف النفع والضر إليها، فإنها ـ حينئذ ـ تكون من الشرك الأكبر، كما قال الشيخ حافظ حكمي: في معارج القبول. وراجع ذلك في الفتويين رقم: 129823، ورقم: 28531.

ولا شك أن إزالة هذه الأشياء نوع من أنواع إنكار المنكر، وفعل ذلك باليد هو الدرجة الأولى من درجات الإنكار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

ولكن ينبغي أن يعلم الأخ السائل أن ذلك منوط بالقدرة، ومتعلق بالموازنة بين المصلحة والمفسدة، فإذا ترتب عليه منكر أكبر، فلا يجوز عندئذ الإنكار باليد، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إنكار المنكر أربع درجات:

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.

الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.

الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.

الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.

فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة. اهـ.

ومعلوم أن إزالة آحاد الناس لهذه المنكرات تترتب عليها مفاسد قد تربو على مصلحة إزالتها، فإن أصحاب المنازل لا يقبلون أن تزال هذه التمائم بدون إذن منهم، وأعظم من هذا أن يعمد الآحاد إلى صاحب المكتبة أو الدكان ونحوه فيأخذون تلك التمائم خلسة، فهذه العمل الأصل فيه عدم الجواز، وخروجه عن هذا الأصل يستلزم ضوابط وشروطا لا يسع المقام لذكرها، ولذا نقول خير ما تفعلون مع هؤلاء دعوتهم وبيان خطإ ما يفعلون بالحكمة والموعظة الحسنة وعدم اليأس من استجابتهم.

وأما ما نُسِب في السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم من تحطيم الأصنام خفية قبل الهجرة: فهذا قد روي بالفعل، واختلف أهل العلم في ثبوته فذهبت طائفة من المحققين إلى ضعفه ونكارته ـ سندا ومتنا ـ ومثله لا يصلح أن ينبني عليه بمجرده عمل. وقد سبق أن ذكرنا درجة هذا الحديث والكلام على فقهه في الفتوى رقم:109123.

وأما حديث: من قطع تميمة، فكأنما أعتق عشرة من ولد إسماعيل. فلم نقف عليه، ولكن روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث عن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة عن إنسان كان كعدل رقبة. قال في تيسير العزيز الحميد: هذا عند أهل العلم له حكم الرفع، لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي، فيكون على هذا مرسلا، لأن سعيدا تابعي. اهـ. وعلى إرساله ففيه ليث ـ وهو ابن أبي سليم: صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك، كما قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني