الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأصل الترفق في إلزام المسلم حديثا بشرائع الدين

السؤال

أكتب إليكم شيخنا الفاضل وكلي أمل بإفادتي حيث إنني في ألم كبير، أنا شاب عربي مسلم ومقيم في بلد إسلامي ومتزوج من امرأة عربية مسلمة ولدي أطفال، قبل ثلاثة أعوام تعرفت على امرأة أوروبية من أصل فلبيني متزوجة ولديها أطفال, مقيمة في بلد أوروبي ولكنها على خلاف زوجي وانفصال للبدء بإجراءات الطلاق من الزوج السابق، اتفقنا على الزواج لاحقا وكان بيننا علاقة بالاتصال من خلال الانترنت وبعض اللقاءات خلالها تحدثنا مطولا عن الإسلام وأخذت تظهر رغبتها بالدخول بالإسلام وترك ديانتها الكاثوليكية
ثم بعد ذلك قامت بالدخول في الإسلام من غير ضغط مني، ومع مرور الوقت قمنا بالزواج الشرعي بأحد المساجد في أوروبا وبعدها تمت عملية الدخول, ولكن لعدم مقدرة أي منا على تغيير مكان الإقامة بسبب التزامها القانوني نحو أطفالها فقد التزمنا بالبقاء على اتصال غير منقطع خلال اليوم من خلال الوسائل التكنولوجية بحيث يتم حديثنا معا على مدار الساعة خلافا لسفري المتكرر للإقامة معها كل شهر أو شهرين مع ازدياد التملك نتيجة الزواج فقد طغى علي الجانب الإسلامي في رغبتي أن تقوم بعملية تغير سريعة لكسب رضا الله مما أدى إلى كثرة المناوشات والمشاكل وحتى بدأت تظهر عصبيتها وعدم رضاها عن نوعية وسرعة التغير الذي قمت بوصفه لها للتمسك بشرع الله. وكون المسافة وطرق الاتصال عن بعد بيننا و طريقتها المتأثرة بالغرب للتعامل مع الزوج, فقد زادت أمور الخلاف واحتدت المشاكسات والآلام حيث يجمعنا حب و مودة لا توصفان فنحن نثور بحساسية زائدة خلال النقاش، فقد بدأت تتذمر مني ولا تجيب على اتصالاتي الهاتفيه بها مما زادني ألما ومع ازدياد اللوعة والآلام والخوف عليها من عدم الإسراع إلى الله وخاصة أنها ما زالت تعيش في بلد غربي و أنا لست على مقربة دائمة منها, فقد زادت المشاكسات والمشاكل وطلبها الطلاق ليس رغبة بالطلاق بل طريقة طفولية استفزازية لإظهار عدم الرضا من أجل أن أتفهم عدم مقدرتها على الإسراع لشرع الله وذلك بالطريقة التي أراها أنسب من وجهة نظر إسلامية, وبعدها أصبحت ردود الأفعال هذْه بشكل شبه يومي حيث زادت نسبة عدم التفاهم وقد قامت في بعض الأحيان بردود فعل غير مناسبة لشخصي ظنا منها أنني أشككك في أخلاقها خلال حديثي عن الغرب من منظور الإسلام وإخبارها عن دناءة أخلاق الأوروبيين في ثقافتهم التي تنكر ولا تخاف الله. وقامت بإظهار أنها لا تريدني مما أدى في ليلة من الليالي وعبر الرسائل الهاتفيه إلى طلب الطلاق للتهديد وليس بداعي الطلاق مما دعاني رغم رفضي وعدم نيتي للطلاق ولكن تحت النعاس والآلام النفسيه ومحاوله مني لردعها عن هذه التصرفات اللامسؤوله نحو الله والزوج قمت ومن خلال رسائل الهاتف ببعث رسالة مفادها أنني ومع عدم رغبتي بالطلاق وعدم رضائي لكني فعلت ذلك بسبب ضغطها، وبعدها ذلك قمت بإرسال بريد الكتروني للشيخ الذي قام بكتابة عقد زواجنا أؤكد عدم رغبتي وأنني ضد الطلاق ولكن نتيجة إلحاحها فقد قمت بالطلاق. خلال هذه الحادثه كنت شديد الحرص على أن لا أتفوه بلفظ الطلاق علني أبدل قناعتي ورغبتي الشديدتين بعدم التطليق. مباشرة وبعد هذه الحادثة بساعات قليلة أصررت عليها بالإرجاع وقمت بذلك بشكل سريع.
بدأ يظهر لي عدم معرفتها بالطلاق الشرعي و جهلها التام بمعناه وشروطه وجديته حيث إنها لم تغير أسلوبها المستهزيء في ردود الأفعال, واستمر ذلك رغم تحذيري الدائم لها مما دفعني لعمل خطة رادعة من خلال تطليق عبر البريد الالكتروني متبوع بمخابرة عبر الهاتف لتأكيد عملية الطلاق، ولكن بعد شيء من الحديث أخبرتها بحقيقة نواياي وأن ذلك الطلاق رغم جديته إلا أنه كان بداعي أن أردعها حتى تتمكن من التفهم لتصبح تتعامل معي ومع زواجنا بطريقه أكثر جدية وأن تعي تصرفاتها نحوي وقمت بعملية الإرجاع. على ما يبدو أنها لم تتفهم حقيقة جدية الطلاق بالإسلام حيث أنه عقد مع الله وليس من خلال المحاكم المدنية فقد استمرت مغلقة التفكير حتى أن وصلت في أحد الليالي حالة هستيرية بداخلي لعدم طاعتها لي بالرد على مخابرتي الهاتفية ولفترة طويلة من إلحاحي وتهديدي لها، لكنها أصرت على التحدي وأجابت بشكل استهزائي مستفز مما دفعني إلى التطليق والآن أنا بألم شديد و ندم أريد إرجاعها, ألمي الشديد لشدة حبي لها و لندمي نحو الله أنني طلقتها وهي بأشد الحاجه لي في حياتها الإسلامية و لتعلم المزيد عن الإسلام. أريد فتواك بإرجاعها وهل تحسب ثلاث طلقات أو اثنتين بسبب رفضي للطلاق الأول وعندي ما يثبت ذلك ولكم خالص الشكر والتقدير؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد وقعت أيها السائل في جملة من الأخطاء والمخالفات الشرعية التي تستوجب منك التوبة إلى الله جل وعلا واستغفاره ومنها:

أولا: حديثك مع هذه المرأة وعلاقتك بها قبل الزواج وهذا منكر عظيم من أبواب الفتنة والفساد على ما بيناه في الفتاوى التالية: 120672، 21582، 121866.

ثانيا: اتفاقك معها على الزواج وهي في عصمة زوجها وهذا محرم إجماعا بل إنه لا يجوز التصريح بخطبة المرأة ولا مواعدتها على الزواج صريحا إلا بعد طلاقها من زوجها وانتهاء عدتها وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 116180.

ثالثا: تشديدك عليها في الالتزام بأوامر الشرع جملة واحدة وهذا لا يليق بحال من دخل حديثا في الإسلام بل ينبغي التلطف في دعوته إلى الله وتعليمه شرائع الدين بما لا ينفره، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعائشة: ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض. متفق عليه.

جاء في شرح النووي على مسلم: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا. انتهى.

ولكن هذا لا يعني أن يخلي بينه وبين الفواحش والمنكرات كلا بل المقصود الترفق به في إلزامه بشرائع الدين خصوصا فيما يجري مجرى السنن والمندوبات.

رابعا: إكثارك من ذم أهل بلادها وانتقادهم وذم أخلاقهم مما أدى بها إلى الظن بأنك تتهمها في أخلاقها وهذا خلاف الحكمة، وفيه ما فيه من التنفير وإثارة حمية الجاهلية وعصبيتها.

أما عن رسالتك هذه التي أرسلتها إليها فيما يفيد طلاقها فهذا من باب الكناية التي يرجع فيها لنية صاحبها، فإن كان يريد إيقاع الطلاق وقع وإن كان لا يريد إيقاعه فلا يقع، فإن كنت قد كتبت الرسالة ولم تقصد إيقاع الطلاق بهذه الكتابة فلا يقع الطلاق حينئذ وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 53648.

أما التطليقتان الأخيرتان اللتان طلقتها فيهما عبر الهاتف فإنهما يقعان حتى وإن لم تقصد إيقاع الطلاق بهما لأن الطلاق الصريح يقع بمجرد التلفظ به.

وعلى ذلك فيمكنك ارتجاع زوجتك قبل خروجها من عدتها بشرط ألا تكون قصدت بكتابة الطلاق إيقاعه كما مر. ونوصيك بالرفق بها سواء في أمور الدين أو الدنيا وأن تظهر لها سماحة الدين ويسر الشريعة وعظمتها ونوصيك أيضا بعدم التسرع في أمر الطلاق فإن عاقبته وخيمة. وانظر كيفية الرجعة في الفتوى رقم: 12908.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني