الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصيام بنية التقرب وتخفيف الوزن

السؤال

مشايخنا أكرمكم الله: كنت أقوم بعمل رجيم لجسمى للتخسيس وإنقاص وزني، وذلك من خلال قلة الأكل. فحينما وجدت نفسي لا آكل كثيرا فقررت أن أصوم بدلاً من ذلك، وقلت في نفسي منها أستطيع أن أنقص وزني وفى نفس الوقت نأخذ أجر الصيام. فهل سأنال أجر وثواب الصيام كاملا بهذه الطريقة وهذه النية. أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن نويت التقرب إلى الله تعالى بهذا الصيام وقصدت مع ذلك الحصول على منفعة تخفيف الوزن فنرجو أن لا حرج عليك، وأن تثاب على صيامك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرغب أصحابه في الأعمال الصالحة ويحثهم عليها ويذكر لهم منفعتها الدنيوية كما قال: من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه... متفق عليه. وكقوله صلى الله عليه وسلم: ... من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه.. متفق عليه.

والصيام ورد فيه حديث ضعيف جاء فيه ذكر منفعة دنيوية وهو حديث (صوموا تصحوا)، ومع أنه حديث ضعيف لكن لا شك أن في الصيام منفعة للبدن. وقد ذكر بعض العلماء أن تشريك نية الصوم والحمية لا يؤثر في الوجه الأصح لأن الحمية تقع تبعاً نواها أو لم ينوها، جاء في غمز عيون البصائر: ... في فتح القدير لو نوى الصوم والحمية أو التداوي فالأصح الصحة لأن الحمية أو التداوي حاصل قصده أم لا فلم يجعل قصده تشريكاً وتركاً للإخلاص... انتهى.

وجاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: .. لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد ففي وجه لا يصح للتشريك والأصح الصحة.. ومنها ما لو نوى الصوم أو الحمية أو التداوي وفيه الخلاف المذكور... انتهى.

لكن احرص على أن لا تغلب عليك نية المنفعة الدنيوية حذراً من أن يفوتك الثواب، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فيمن نوى بعمله التقرب إلى الله وغرضاً دنيوياً: فهذا تحته أحوال:

الحالة الأولى: أن يتساوى في قلبه الأمران التقرب إلى الله عز وجل وحصول الغرض الدنيوي فهذا عمله لا ثواب له.

الحالة الثانية: أن تغلب نية التقرب إلى الله عز وجل ويقصد بذلك أيضاً الغرض الدنيوي، لكن نية التقرب هي الغالبة فهذا فاته كمال الإخلاص فينقص عليه الإخلاص.

الحالة الثالثة: عكس هذه الحال وهي أن تغلب نية الغرض الدنيوي فهذا لا ثواب له عند الله. انتهى.

والذي ننصح به السائل وغيره من المسلمين ممن نوى الصوم وأراد الحمية أن يغلب جانب الصوم بل يسعى لتمحيض نية الصيام فهذا أفضل وأعظم أجراً، قال ابن كثير في تفسيره: يقول: من عمل صالحا التماس الدنيا، صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين. انتهى.

ومثله قول القرطبي: أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم ينقص شيئاً في الدنيا، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا... انتهى.

فينبغي لك أخي السائل أن تجرد النية لله تعالى وتجاهد نفسك على ذلك، وستحصل لك المنفعة الدنيوية تبعاً إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني