الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاقتصار على قول واحد في المسائل الخلافية خشية ترخص الناس

السؤال

في المسائل الخلافية مثل: كفر تارك الصلاة كسلا، ووجوب صلاة الجماعة ـ فهل أستطيع أن أذكر الراجح بدون ذكر القول الآخر، لأن الناس يتعلقون بالقول الآخر فيضيع نصحي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج على الواعظ أو المعلم أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقتصر على ذكر قول واحد في المسألة ويبينه بدليله إذا خشي من ذكر الخلاف فيها عند العامة أن يؤدي ذلك إلى تفلتهم وتمسكهم بالرخص وتعلقهم بها وليس ذلك من كتمان العلم المنهي عنه، فإن نشر العلم إن كانت فيه مضرة على المستمع كان تركه أولى، وقد يكون تركه متعينا، ولذا ندم أنس على تحديثه الحجاج بن يوسف بحديث العرنيين وعقوبة النبي صلى الله عليه وسلم، وود الحسن البصري لو لم يكن حدثه بهذا الحديث، ففي البخاري: قال سلام - أحد رواة حديث العرنيين - فبلغني أن الحجاج قال لأنس: حدثني بأشد عقوبة عاقبها النبي، فحدثه بهذا، فبلغ الحسن، فقال وددت أنه لم يحدثه بهذا.

وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.

ذكره مسلم في مقدمة صحيحه.

وقال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟.

ذكره البخاري.

وإذا كان للعالم أن يسكت عن ذكر القول الراجح إذا خشي الفتنة أو ترتب شر على ذلك ولم يأمن غائلة الفتوى بما يراه راجحا فأولى أن يجوز له أن يسكت عن ذكر الخلاف إذا خيف من ذكره حصول مفسدة تربو على ذكره، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ـ هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه، وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه وخاف المسئول أن يكون فتنة له أمسك عن جوابه.

انتهى.

فإذا خشي الواعظ أو المفتي أنه لو ذكر الخلاف في حكم تارك الصلاة أن يتهاون السائل بأدائها فله أن يقول له: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ويتلو عليه الأحاديث بلا تأويل لها، وإذا خشي أن يفرط في صلاة الجماعة ويتهاون بها فله أن يقول: قد دلت النصوص على وجوب الجماعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ويعرض عن ذكر الخلاف في المسألة، وهكذا في نظائر هذه المسألة، ولم تزل عادة أهل العلم جارية بمثل هذا، فيذكرون ما يرونه راجحا ويدللون عليه ولا يشيرون في كثير من الأحيان إلى الخلاف وبخاصة إذا كان السائل عاميا، ولكن ليتنبه المفتي أو الواعظ إلى أنه لا يجوز الكذب على أهل العلم وادعاء اتفاقهم على مسألة ليسوا متفقين عليها، فليحرص على أن تكون عباراته دقيقة مطابقة لما في نفس الأمر، ولا تحملنه الرغبة في تمسك الناس بأحكام الشرع على أن يقول على أهل العلم ما لم يقولوه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني