الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم المرأة التي فقد زوجها وغاب سنين طويلة

السؤال

امرأة غاب عنها زوجها في أحداث الجزائر في أواخر التسعينيات ومنذ ذلك الوقت وهي تنتظر متعلقة بأمل عودته وهو قانوناً من بين المفقودين، وبعد 14 عاما أعطيت لها شهادة وفاته، فما حكم العدة بالنسبة لها وهي دائماً عندها أمل بعودة زوجها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمذهب الشافعية والحنفية أن زوجة المفقود عليها أن تنتظر زوجها حتى يثبت موته ولو بحكم القاضي الشرعي أو طلاقه بعدلين، جاء في أسني المطالب ممزوجاً بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: زوجة المفقود المتوهم موته لا تتزوج غيره حتى يتحقق ـ أي يثبت بعدلين ـ موته، أو طلاقه وتعتد، لأنه لا يحكم بموته في قسمة ماله وعتق أم ولده فكذا في فراق زوجته، ولأن النكاح معلوم بيقين فلا يزال إلا بيقين. انتهى.

وفي البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم الحنفي: قوله ولا يفرق بينه وبينها ـ أي وبين زوجته، لقوله عليه السلام في امرأة المفقود: إنها امرأته حتى يأتيها البيان ـ وقول علي ـ رضي الله عنه ـ فيها: هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت، أو طلاق ـ خرج بياناً للبيان المذكور في المرفوع، ولأن النكاح عرف ثبوته والغيبة لا توجب الفرقة والموت في حيز الاحتمال فلا يزال النكاح بالشك. انتهى.

وعند الحنابلة أن من ظاهر غيبته الهلاك - كما في الحالة المسئول عنها - تتربص زوجته أربع سنين ثم تعتد بعد الحكم بوفاته، جاء في الموسوعة الفقهية: وإن كان ظاهر غيبته الهلاك كمن فقد بين أهله ليلاً، أو نهاراً، أو خرج إلى الصلاة ولم يعد، أو فقد في ساحة القتال، فقد ذهب أحمد في الظاهر من مذهبه، والشافعي في القديم إلى أن زوجته تتربص أربع سنين، ثم يحكم بوفاته فتعتد بأربعة أشهر وعشر، ثم تحل للأزواج، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم. انتهى.

وراجعي للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 12338.

وذهب بعض أهل العلم إلى تخييرها بين انتظار قدوم زوجها وبين رفع أمرها إلى القضاء للبحث عن زوجها وضرب الأجل، جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي أثناء الحديث عن زوجة المفقود: ولها أن لا ترفع وترضى بإقامتها في عصمته حتى يتضح أمره. انتهى.

وفي الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: وأما إذا قالت: سأنتظر حتى أتيقن موته، فما نلزمها بأن تتربص وتعتد. انتهى.

وفيه أيضاً: ولهذا، فالصحيح أننا لا نقدِّر ذلك بما ذكر الفقهاء، وأن الأمر في ذلك راجع إلى اجتهاد القاضي في كل قضية بعينها، فربما تكون أربع سنين كثيرة يغلب على الظن أنه مات في أقل من ذلك، وربما تكون قليلة بحسب الحال، فلو أن رجلاً اجترفه الوادي وحمله، فظاهر فقده الهلاك فعلى ما ذكره الفقهاء ننتظر أربع سنين لكن في وقتنا هذا ما ننتظر أربع سنين، لأنه يمكن لطائرة هليوكوبتر أن تمشي على ممر الوادي، وتكشف الأمر فمثل هذه الأشياء الصواب أنه يرجع فيها إلى اجتهاد القاضي وهو يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأسباب التي بها فقد، فلا نقيدها بأربع سنوات ولا بتسعين سنة. انتهى.

فمن جميع ما ذكر يتبين لك أن شهادة الوفاة التي سلمت لتلك المرأة إن كانت مبنية على شهادة العدول، أو حكم قاض بذلك فالأمر واضح، فإن المرأة تبدأ عدتها من اليوم الذي تقرر أنه توفي فيه زوجها، وإن انقضت عدتها فإنها تحل للأزواج ولو لم تكن قصدت الاعتداد في تلك الفترة، وإن كانت الشهادة المذكورة هي مجرد إجراء قانوني لا يستند إلى شيء مما ذكرنا فقد علمت ما في المسألة من الخلاف، وبالتالي فينبغي أن ترفع الأمر إلى القضاء الشرعي ليقول كلمته في الموضوع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني