الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تهافت الزعم أن القرآن والسنة الصحيحة لم يرد فيهما تحريم الجماع في الدبر

السؤال

لم يرد دليل من القرآن ولا من الحديث الصحيح (البخاري ومسلم) في تحريم الجماع في الدبر. فهو حلال!!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فزعمك أنه ليس هناك دليل من كتاب الله تعالى يدل على حرمة الجماع في الدبر زعم غير صحيح، وقد ذكر العلماء أن قوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة:222] دال على حرمة إتيان المرأة في دبرها دلالة واضحة وظاهرة، وممن نصوا على ذلك ابن القيم -يرحمه الله- في زاد المعاد 4/261 حيث يقول: وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها (أي الزوجة) من وجهين:
أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد لا في الحش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ) [البقرة:222] .
قال: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة:223] وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضاً، لأنه قال: (أَنَّى شِئْتُمْ) أي: من أين شئتم من أمام أو من خلف. قال ابن عباس: فأتوا حرثكم، يعني: الفرج.
وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.

وقد أفاض الإمام ابن كثير في تفسيره في بيان الأدلة على التحريم، ونقل عن جمع غفير من الصحابة والتابعين والأئمة القول به، وذلك عند تفسير الآية المتقدمة.
وأما زعمك أنه لم يرد دليل من الحديث الصحيح (البخاري ومسلم) في تحريم الجماع في الدبر، فهي دعوى غير صحيحة أيضاً، بل فيها أغلاط كثيرة، فالأحاديث الصحيحة التي يُستدل بها على الأحكام الشرعية لم تكن محصورة في البخاري ومسلم فقط، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم، فهناك الآلاف من الأحاديث الصحيحة والحسنة في غير البخاري ومسلم تساوي ما في الصحيحين من وجوب الأخذ بمدلولها.
هذا وقد أشار مسلم في صحيحه إلى التحريم ففي 2/1059 باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها من غير تعرض للدبر) ثم نقل أثر جابر رضي الله عنه (كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول، فنزلت: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة:223] إن شاء مجبية، وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صِمام واحد.
قال النووي -يرحمه الله- في شرحه على مسلم : والصِمام (بكسر الصاد) أي: ثقب واحد، والمراد به القبل.
قال العلماء: وقوله تعالى: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة:223] أي: موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المني ابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قبلها: إن شاء من بين يديها، وإن شاء من ورائها، وإن شاء مكبوبة. وأما الدبر فليس هو بحرث، ولا موضع زرع، ومعنى قوله: (أَنَّى شِئْتُمْ) أي: كيف شئتم. واتفق العلماء الذين يُعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضاً كانت أو طاهراً لأحاديث كثيرة مشهورة.
وقد سبق بيان هذه المسألة، وذكر الأدلة على التحريم في الجواب رقم: 8130 فراجعه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني