الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضابط المودة المحرمة للكفار

السؤال

فضيلة الشيخ قد علمت في ثنايا فتاويكم أن محبة الكافر المسالم لغير دينه جائزة وهي من باب الرخصة لعسر التحرز منها، وخاصة مع من يخالطهم المسلم للحق الواجب كالوالدين المشركين والزوجة الكتابية ونحوهما، ولكن بشرط عدم التوسع في هذه الرخصة وتكون بالقدر الذي يرفع فيه المسلم الحرج عن نفسه، وقد نقلتم فتوى للشيخ صالح آل الشيخ في هذا الباب وكان مما ذكر مايلي:(والاستدلال الثاني وهو استدلال ضمني بأنَّ الله نهى عن الإحسان إلى المحاربين وأَذِنَ بالصلة والإحسان لمن لم يحارب من الكفار فقال: لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ ....الآية، وقوله هنا: أَن تَوَلَّوْهُمْ. في وصف المحاربين يدل على أنَّ غير المحاربين له نوع موالاة جائزة بالإحسان والمودة الجزئية ونحو ذلك، وهذا واضح بالمقابلة.
السؤال: ألا يُعارض هذا الاستدلال المفهوم الضمني المنطوق في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. أو يُقال إن المراد بالولاية هنا هي اتباعهم في سكنى بلاد الكفر كما ذكر ذلك طائفة من أهل التفسير، وقالوا إنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب نهوا أن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكن البلاد والكفر، ويدل على ذلك سبب النزول، وكذلك قوله تعالى بعد الآية السابقة: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ…. الآية. فعدم ذكر الأبناء والأزواج في آية النهي عن الولاية لأن من شأن الإنسان أن يتابع في السكن ويتولى في الحرب من فوقه كالأب، ومن هو مثله كالأخ دون من هو دونه كابنه وزوجه .أو يُقال إن الولاية هنا المراد بها الولاية الشاملة لجميع مفرداتها ومتابعتهم .أفتونا مأجورين.
ولمزيد من الفائدة سأرسل لكم على بند أرسل سؤالك, نقولات لعدد من أهل العلم المعاصرين الذين ذهبوا إلى نفس مذهبكم كلياً أو جزئياً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأوجه التي ذكرها الأخ السائل للجمع بين مفهوم قوله تعالى: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. [الممتحنة: 9] وبين منطوق قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. [التوبة: 23] ـ كلها محتملة. والأقرب أن يقال: إن المحظور إنما هو تقديم محبة هؤلاء الآباء والإخوان على محبة الله ورسوله، كما قال تعالى في الآية التي تليها: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. [التوبة: 24]. ويؤيد هذا ما نقله الأخ السائل عن عدد من أهل العلم المعاصرين، ومنهم الشيخ ابن عثيمين حيث قال: الموادة شيء والمحبة الطبيعية التي مقتضاها القرابة شيء آخر، فالمواد هو الذي يسعى في طلب المودة أكثر مما تقتضيه الفطرة ويسعى إلى رضاهم بكل وسيلة، ويدلك على هذا قوله تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ... أحب إليكم من الله ورسوله ...الآية ) والأبناء والآباء في هذه الآية عام يتناول المسلمين والكفار فلذلك تقديم محبة غير الله على الله ورسوله هو المحرم، وعلى هذا فضابط المودة المحرمة للكفار هو تقديم محبتهم على محبة الله ورسوله. اهـ.
وقد سبق لنا بيان زيادة بيان لهذه المسألة ، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 161841، 128403، 151751.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني