الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة على الآل في التشهد وهل تبطل صلاة من تعمد تركها

السؤال

أحب أن أعرف حكم الصلاة على آل محمد, وخصوصاً في الصلاة عندما نقول: اللهم صلٍ على محمد وعلى آل محمد وهل يجوز أن أقول: اللهم صلٍ على محمد كما صليت على آل إبراهيم.. إلخ فقط؟ أم تجب علي الصلاة على آل محمد؟ والتبريك عليهم؟ وما حكم ذلك؟ وما حكم تاركها عمداً؟ مع الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 136186، عدم اشتراط الإتيان بالصلاة الإبراهيمية لصحة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، بل من قال اللهم صل على محمد فقد أتى بأقل المشروع من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأجزأه ذلك عن الواجب في الصلاة، وأجزأه ذلك في غير الصلاة من باب أولى، وإن كانت الصيغة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أولى وهي الأكمل، أما عن حذف الآل من الرواية التي ذكروا فيها في الصلاة فالظاهر أنه لا يشرع تعمده حتى على القول بعدم وجوب الصلاة عليهم فيها وهو قول الجمهور، لأن الحديث هكذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك فقال: قولوا اللهم صل على محمد إلى آخره، أما على القول بوجوب الصلاة على الآل تبعا للنبي صلى الله عليه وهوقول في المذهب الشافعي ورواية في المذهب الحنبلي فلا يجوز حذفها، ومقتضى الوجوب أن تعمد حذفها يبطل الصلاة، ففي إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد:فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَجْهَانِ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ. انتهى.

وفي فتح الباري للحافظ بن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي إِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فَفِي تَعَيُّنِهَا أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَادَّعَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَأَكْثَرُ مَنْ أَثْبَتَ الْوُجُوبَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ نَسَبُوهُ إِلَى التُّرُنْجِيِّ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ أَنَا أَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ، قُلْتُ وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي مُشْكِلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ. انتهى.

وفي إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: قوله: وقيل: يجب ـ أي الإتيان بالصلاة على الآل فيه ـ وهو على القول القديم لإمامنا ـ رضي الله عنه ـ واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: قولوا اللهم صل على محمد وآله، والأمر يقتضي الوجوب. انتهى.

وفي المغني لابن قدامة: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُ، لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي زُرْعَةَ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ، مَنْ تَرَكَهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى آلِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِ، وَلَهُمْ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِي خَبَرِ كَعْبٍ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِهَذَا حِينَ سَأَلُوهُ تَعْلِيمَهُمْ، وَلَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِهِ. انتهى.

ويقصد بخبر كعب حديث كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: خرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. هذه رواية مسلم.
وفي سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني في شرح حديث أبي مسعود البدري عند مالك وأحمد ومسلم وغيرهم ولفظه: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ...وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ: أَعْنِي قُولُوا ـ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَدَلِيلُهُمْ الْحَدِيثُ مَعَ زِيَادَتِهِ الثَّابِتَةِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادِي، وَالْقَاسِمِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا عُذْرَ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ وَاحِدٌ، وَدَعْوَى النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ مَنْدُوبَةٌ، غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، بَلْ نَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتِمُّ وَيَكُونُ الْعَبْدُ مُمْتَثِلًا بِهَا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ، لِأَنَّهُ قَالَ السَّائِلُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك ـ فَأَجَابَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ، أَنَّهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْآلِ فَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام المباركفوري بعد أن نقل ما تقدم لابن حجر مع كلام الصنعاني هذا: وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر حديث أبي مسعود البدري: فيه تقييد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بالصلاة فيفيد ذلك أن هذه الألفاظ المروية مختصة بالصلاة، وأما خارج الصلاة فيحصل الامتثال بما يفيده قوله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً{33: 56} فإذا قال القائل: اللهم صل وسلم على محمد ـ فقد امتثل الأمر القرآني. انتهى.

وخلاصة القول أن تعمد حذف الآل من الصلاة الإبراهيمية التي ورد ذكرهم فيها غير مشروع ومن فعل ذلك في الصلاة بطلت صلاته على القول بوجوب الصلاة على الآل تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى أن تعمد إبطال الصلاة أمر محرم، أما على مذهب الجمهور فلا تبطل صلاته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني