الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب الناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف

السؤال

هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب؟ وهل إذا رأيت منكرًا ولم أنكر على صاحبه أكون آثمة؟
لأنني دائمًا عندما أرى شخصًا يخالف ما أمر الشرع به تكون لدي رغبة قوية في إنكار ما هو عليه, ولكني أخشى أن يكون أسلوبي غير مناسب؛ فيؤدي إلى تنفير الشخص, فهل آثم لذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم حسب وسعه وطاقته وعلمه بالأمر منكرًا كان أو معروفًا, جاء في تفسير ابن كثير: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ثم قال: الخير اتباع القرآن وسنتي. رواه ابن مردويه, والمقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن, وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه, كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان, وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " اهـ.

وجاء في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: " والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب, ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة, وحملهم على جادة العلم, وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم, ولهم هي اليد وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولًا, وهذا في المنكر الذي له دوام, وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر كالسلب والزنى ونحوه فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة, ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر, وإن ناله بعض الأذى" اهـ

ولا إثم على من رأى منكرًا ولم يقدر على إنكاره بيده أو بلسانه, لكن لا بد من إنكاره بقلبه كما في الحديث.

وفي خصوص ما تتوهمينه من أن يكون أسلوبك غير مناسب في الإنكار فنخشى أن يكون ذلك من وسوسة الشيطان؛ حتى يثبطك عن إنكار المنكر والأمر بالمعروف, وعليك أن تجاهدي نفسك في ذلك, وتنكري بالحسنى والموعظة الجميلة, وتحسني أسلوبك ما استطعت إلى ذلك سبيلًا, فإذا قمت بذلك فلا يضرك بعد ذلك من رفض إنكارك, أو نفر منك؛ لأن المطلوب من المسلم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وليس استجابة الناس لذلك, قال تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56] وقال {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 272] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} {المائدة:105}، وقال سبحانه: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ } [الشورى: 48], فإذا قمت بما تقدرين عليه فذلك هو المطلوب, وإن لم تقدري حقيقة على القيام بذلك فلا يلحقك إثم إذا أنكرت بقلبك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني