الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصح العلماء للحاكمين من أفضل الجهاد

السؤال

هل للعالم، وطالب العلم السكوت عن بيان بعض العلم المخالف لتوجه الحكومة، بحجة أنها ستقيله من منصبه، وتأتي بمن هو أسوأ منه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن العالم يجب عليه في الأصل استشعار مراقبة الله، وتعظيمه تبارك وتعالى، وإجلاله، وبذل كل غال ورخيص في سبيل مرضاته؛ لأنه أكبر من كل شيء، ورب كل شيء وخالقه، فلا يجوز للعالم أن يقدم على طاعته وخدمة دينه أحداً من المخلوقات مهما كانت قوته وجبروته؛ بل عليه أن لا يخاف من أحد في تبليغ رسالة الله سبحانه، كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً. [الأحزاب:39] ، ودل عليه قوله تعالى في سورة المدثر: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {المدثر:3}.

وعليه أن يتعامل مع الحكام بالنصح، وبيان الحق لهم، وعدم طاعتهم في معصية الله، بل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله. رواه الحاكم وصححه، والخطيب، وصححه الألباني.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند سلطان جائر. رواه النسائي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.

وإذا كان العالم يراعي مصلحة الدين في إقدامه وإحجامه، فينبغي له استشارة أهل العلم، والعمل بما يرونه أصلح للدين، وعلى العامة أن يحسنوا الظن بأهل العلم، فإن الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وقد دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، فمن ذلك قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. {119}. وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. {البقرة:173}، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.{78}. وقد أخذ العلماء من هذه النصوص وغيرها قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وارتكاب أخف الضررين لدفع أشدهما.

وقاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقاعدة: "تحصيل أعلى المصلحتين"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مدار الشريعة على قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم. أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني