الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد أن أعرف من هم الأريسيون الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى هرقل، وهل هم أتباع أريس النصراني؟ وماذا يقصد بقوله: فإن عليك إثم الأريسيين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الكلمة جزء من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل، وقد اختلف العلماء في معناها؛ فالأغلب من أهل العلم على أنهم الأكارون - الفلاحون - وممن اختاره النووي، وابن حجر، اعتمادًا على الروايات الأخرى.

وذهب الطحاوي في المشكل، وابن حزم - نقله عنه الحافظ ابن حجر - والكشميري في فيض الباري، وذكره ابن قرقول في مشكل الصحيحين دون عزو لأحد بعينه، وذهب غيرهم إلى أنهم طائفة من النصارى تنسب لأريس.

قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: إثم الأريسيين. تقدم ضبطه، وشرحه في بدء الوحي، ووجدته هناك في أصل معتمد بتشديد الراء، وحكى هذه الرواية أيضًا صاحب المشارق وغيره، وفي أخرى الأريسين بتحتانية واحدة.

قال ابن الأعرابي: أرس يأرس بالتخفيف فهو أريس، وأرس بالتشديد يؤرس فهو إريس.

وقال الأزهري بالتخفيف، وبالتشديد الأكار لغة شامية، وكان أهل السواد أهل فلاحة، وكانوا مجوسًا، وأهل الروم أهل صناعة، فأعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب، فإن عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم إثم المجوس. انتهى.

وهذا توجيه آخر لم يتقدم ذكره، وحكى غيره أن الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس، رجل كان تعظمه النصارى، ابتدع في دينهم أشياء مخالفة لدين عيسى، وقيل: إنه من قوم بعث إليهم نبي فقتلوه، فالتقدير على هذا: فإن عليك مثل إثم الأريسيين.

وذكر ابن حزم أن أتباع عبد الله بن أريس كانوا أهل مملكة هرقل، ورده بعضهم بأن الأريسيين كانوا قليلًا، وما كانوا يظهرون رأيهم فإنهم كانوا ينكرون التثليث، وما أظن قول ابن حزم إلا عن أصل، فإنه لا يجازف في النقل، ووقع في رواية الأصيلي اليريسيين بتحتانية في أوله، وكأنه بتسهيل الهمزة.

وقال ابن سيده في المحكم: الأريس الأكار عند ثعلب، والأمين عند كراع، فكأنه من الأضداد، أي: يقال للتابع والمتبوع، والمعنى في الحديث صالح على الرأيين، فإن كان المراد التابع، فالمعنى: إن عليك مثل إثم التابع لك على ترك الدخول في الإسلام، وإن كان المراد المتبوع فكأنه قال: فإن عليك إثم المتبوعين، وإثم المتبوعين يضاعف باعتبار ما وقع لهم من عدم الإذعان إلى الحق من إضلال أتباعهم.

وقال النووي: نبه بذكر الفلاحين على بقية الرعية؛ لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادًا، وتعقب بأن من الرعايا غير الفلاحين من له صرامة وقوة، وعشيرة فلا يلزم من دخول الفلاحين في الإسلام دخول بقية الرعايا حتى يصح أنه نبه بذكرهم على الباقين، كذا تعقبه شيخنا شيخ الإسلام - البلقيني - والذي يظهر أن مراد النووي أنه نبه بذكر طائفة من الطوائف على بقية الطوائف، كأنه يقول: إذا امتنعت كان عليك إثم كل من امتنع بامتناعك، وكان يطيع لو أطعت الفلاحين، فلا وجه للتعقب عليه، نعم، قول أبي عبيد في كتاب الأموال ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط، بل المراد به جميع أهل المملكة، إن أراد به على التقرير الذي قررت به كلام النووي، فلا اعتراض عليه، وإلا فهو معترض، وحكى أبو عبيد أيضًا أن الأريسيين هم الخول والخدم، وهذا أخص من الذي قبله إلا أن يريد بالخول ما هو أعم بالنسبة إلى من يحكم الملك عليه، وحكى الأزهري أيضًا أن الأريسيين قوم من المجوس كانوا يعبدون النار، ويحرمون الزنا، وصناعتهم الحراثة، ويخرجون العشر مما يزرعون، لكنهم يأكلون الموقوذة، وهذا أثبت. فمعنى الحديث فإن عليك مثل إثم الأريسيين - كما تقدم -. اهـ.

وأما معنى "عليك إثم الأريسيين": فقال النووي: ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك، وينقادون بانقيادك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني