الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم الأم غسل لباسها لما يصيبه من بول الصبي

السؤال

السلام عليكم لدي طفل عمره ثلاثة شهور وهو كثير التبول ويصيب ملابسي علما بأنه يأكل الزبادي ويشرب اللبن وألحسه قليلا من الأطعمة التي نأكلها فهل يجوز لي الصلاة بملابسي التي يبول عليها؟ أم يلزم تغييرها عند كل صلاة؟أفادكم الله وزادكم علماً ونفعا وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فبول الطفل الذي لم يطعم -ذكراً كان أو أنثى- نجس، أما الأنثى فباتفاق.
وأما الذكر، فعلى قول جمهور أهل العلم وحكاه بعض العلماء اتفاقاً، ولم يعتبر قول المخالف.
قال الإمام النووي رحمه الله: بعد بيان كيفية تطهير بول الطفل الذي لم يطعم، وأنه يفرق بين الذكر والأنثى.
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري.
قال الخطابي وغيره: وليس تجويز من جوز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته، فهذا هو الصواب. وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: بول الصبي طاهر، فينضح فحكاية باطلة قطعاً.

وهذا في البول.
أما الغائط فهو نجس، ولا فرق فيه بين غائط الصغير وغائط الكبير بالإجماع، كما قال النووي في المجموع.
إلا أن هناك فرقاً بين بول الغلام وبول الجارية من حيث كيفية التطهير، فالجارية يشترط غسل ما أصابه بولها، وأما الغلام، فيكفي فيه النضح، وهو رش الماء حتى يصل إلى جميع موضع البول ويغمره، ولا يشترط أن ينزل عنه، كما لا يشترط عصر الثوب أو جريان الماء عليه أو تقاطره بخلاف الغسل، فإنه يشترط فيه جريان بعض الماء وتقاطره، ولا يشترط عصره، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
وأما الحنفية والمالكية، فأوجبوا الغسل في بول الغلام والجارية، ولم يفرقوا بينهما، والصحيح هو القول الأول، لقوة أدلته، ووضوح دلالتها على التفريق بينهما، كما في الفتوى رقم:
2068.
وعن كيفية النضح يقول زكريا الأنصاري في شرح البهجة: بأن يرش عليه ماء يعمه ويغلبه من غير سيلان، بخلاف الغلامة لابد في بولها من الغسل على الأصل ويحصل بالسيلان مع الغمر. ا.هـ
ويقول الحافظ ابن حجر في الجمع بين روايتي الحديث، ففي إحدى الروايتين: فنضحه، وفي الأخرى: فرشه، يقول رحمه الله: ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش، لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنفيض الماء فانتهى إلى النضح وهو صب الماء. ا.هـ
ويقول النووي في بيان كيفية النضح كما في شرحه لمسلم: وذهب إمام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره بخلاف المكاثرة في غيره، فإنه يشترط فيها أن يكون بحيث يجري بعض الماء ويقاطر من المحل، وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح المختار، ويدل عليه قولها: فنضحه ولم يغسله. ا.هـ
وأما حد الغلام الذي ينضح ما أصابه بوله فهو الذي لم يأكل الطعام، كما وردت بذلك السنة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا طعم الطعام، فإنه يجب غسل بوله كالجارية.
قال ابن قدامة في المغني: قال أحمد: الصبي إذا طعم الطعام وأراده واشتهاه غسل بوله، وليس إذا أُطعم، لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد، والنبي صلى الله عليه وسلم حنك بالتمر، ولكن إذا كان يأكل ويريد الأكل، فعلى هذا ما يسقاه الصبي أو يلعقه للتداوي لا يعد طعاماً يوجب الغسل، وما يطعمه لغذائه، وهو يريده ويشتهيه هو الموجب لغسل بوله.
وقال الحافظ في الفتح: المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها. ا.هـ
وفي ختام الجواب يحسن أن ننبه إلى أمر وهو:
ما ذهب إليه أئمة المالكية رحمهم الله، وهو أنه يعفى للمرضعة أماً أو غيرها إن احتاجت للإرضاع أو لم يوجد غيرها أو لم يقبل الولد سواها عن غسل بول الرضيع وغائطه ذكراً كان أو أنثى ، بشرط أن تجتهد في درء البول أو الغائط بأن تنحي الرضيع حال بوله أو تجعل له خرقاً تمنع وصول الأذى إلى ثوبها أو بدنها، فإذا اجتهدت وأصابها بعد ذلك شيء من الأذى عفي عن غسله لمشقة الاحتراز عنه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني