الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يجعل عقيدته خليطا من عقائد الفرق المختلفة

السؤال

إمام يزعم أنه يأخذ من الشيعة ما ‏يعجبه في أمور العقيدة، ومن ‏الصوفية ما يعجبه، ومن السنة كذلك.
‏فما حكم هذا الإمام الذي يخلط بين ‏كل الفرق في أمور العقيدة؟
‏ وشكرا.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن هذا الرجل مخطئ خطأ عظيما، فإن أمور العقائد ليست وفق أهواء الناس، يأخذون ما يشاؤون من حيث شاؤوا، بل الواجب على كل مسلم أن يعتقد العقيدة الموافقة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، ووضح من هي هذه الفرقة الناجية، بأنهم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فوجب على كل مسلم أن يسلك هذه الطريق، ولا يحيد عنها إن كان يريد لنفسه النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: لكن لما أخبر النبي أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة -وهي الجماعة- وفي حديث عنه أنه قال: هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم، وأصحابي. صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب: هم أهل السنة والجماعة؛ وفيهم الصديقون، والشهداء، والصالحون ومنهم أعلام الهدى؛ ومصابيح الدجى؛ أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة؛ وفيهم الأبدال: الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، ودرايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة. انتهى.

وقال أيضا رحمه الله: كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون: الاعتصام بالسنة هو النجا. وقال مالك: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وذلك أن السنة، والشريعة، والمنهاج: هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله. والرسول: هو الدليل الهادي، الخريت في هذا الصراط كما قال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} . وقال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}. وقال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.

وقال عبد الله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، وخط خطوطا عن يمينه، وشماله. ثم قال: هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه. ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.

وإذا تأمل العاقل - الذي يرجو لقاء الله - هذا المثال، وتأمل سائر الطوائف من الخوارج، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، والرافضة، ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام مثل الكرامية، والكلابية، والأشعرية، وغيرهم، وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة، وأهل الحديث،- ويدعي أن سبيله هو الصواب - وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم، الذي لا يتكلم عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. انتهى.

والحاصل أن الواجب على كل مسلم أن يضبط عقيدته بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين هم أعمق هذه الأمة علما، وأقومها هديا، وأقلها تكلفا، وأن يجانب كل ما أحدث بعدهم من العقائد، وأن يتنكب كل ما لم يكونوا عليه؛ فإن أحسن الهدي هديهم، ولا خير فيما لم يدينوا به، أو يعتقدوه.

فهذا الرجل على خطر عظيم إن هو لم يتب، ويصحح عقيدته، ويتمسك بالسنة المحضة، ويقف حيث أوقفته نصوص الكتاب، والسنة، ويرد كل ما تنوزع فيه إلى الله، والرسول، فيدور مع السنة حيث دارت.

نسأل الله أن يعصمنا من الزلل، ويوفقنا لما فيه رضاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني