الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصيام لمن شرب الخمر قبل دخول رمضان ثم تاب

السؤال

هل تمنع الصلاة والصوم للشخص الذي شرب الخمر ولم يسكر قبل رمضان بثلاثة أسابيع؟ حتى لو شرب أقل من نصف كأس؟ فهل يجوز له صيام رمضان وهو تاب وندم؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي منَّ على هذا الشخص بالتوبة والهداية، وليعلم أن التوبة من مثل هذا الذنب لها شروط ثلاثة: أن يندم على ما فعل، وأن يُقلِع عنه فوراً، وأن يعزم على عدم العود إليه مرةً أخرى.

وشربُ الخمر كبيرةٌ من كبائر الذنوب، لعن الله مرتكبه، وكل من أعان عليه، كما في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما.

وسواء سكر أم لم يسكر، كما في الحديث: «ما أسكر كثيره، فقليله حرام». وقد أناط النبي صلى الله عليه وسلم اللعنة بشربها وسقيها ونحوه، لا بالإسكار.

ومن عِظَم هذا الفعل، لم يقبل الله من فاعله صلاةً أربعين يوماً، ما لم يتب، فإن تاب قبل الله توبته، ثم إن تكرر ذلك منه مراراً لم يقبل الله توبته، كما في حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً ـ أي أربعين يوماً ـ، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحاً ـ أي أربعين يوماً ـ، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحاً ـ أي أربعين يوماً ـ، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحاً ـ أي أربعين يوماً ـ، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال» قيل: يا أبا عبد الرحمن: وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار. رواه الترمذي وحسنه، والإمام أحمد في مسنده.

ومعنى ذلك أنه إن تكرر منه الرجوع إلى هذه المعصية بعد التوبة منها، فإنه في الغالب لا ييسر بعد ذلك إلى أسباب التوبة الصادقة، فذكر ذلك صلى الله عليه وسلم مبالغة في التحذير من هذا الفعل، ليجتنب الإنسان أن يكون ممن لا يقبل الله توبته بعدم توفيقه لأن يصدق فيها، وإلا فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق إلا بالموت أو بخروج الشمس من مغربها.

قال الطيبي في هذا الحديث: [محمول على إصراره وموته على ما كان عليه؛ فإن عدم قبول التوبة لازم للموت على الكفر والمعاصي]. اهـ. وقال القاري: [ولعل نقض التوبة ثلاث مرات مما يكون سببا لغضب الله على صاحبها كما يشير إليه قوله تعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} [النساء: 137] وكان الغالب أن صاحب العود إلى الذنب ثلاثا لم تصح له التوبة كما أشارت إليه الآية؛ بعدم الهداية والمغفرة]. اهـ.

إلا أن شرب الخمر لا يمنع صحة الصلاة والصيام ما دام يعي ما يقول وما ينوي، ولا يُسقِط وجوبهما على المكلف، ولا يمنعه من ذلك إلا الحيض والنفاس، فإن لم يكن يعي وجب عليه قضاء ما فاته من الفروض، فليس المراد من الحديث أنه يسقط عنه وجوب الصلاة والصيام أربعين يوماً، بل إن لم يصلِّ ولم يصُمْ فقد أضاف إلى الكبيرة ما هو أكبر منها، وباء بغضب على غضب.

وإنما جاء الخبر بعدم قبول الصلاة أربعين يوماً، بمعنى أن الله لا يكتب له أجرها، عقوبةً له وزجراً، ولا يعني هذا أنه لا يطالبه بأدائها، ولا يعاقبه على تركها.

وننصح بمراجعة الفتوى رقم: 39293.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني