الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توحيد الربوبية يتحقق باتباع نهج القرآن

السؤال

كيف نحقق توحيد الربوبية في حياتنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتوحيد الربوبية هو: توحيد المعرفة والإثبات، أي معرفة أن الله تعالى هو رب المخلوقات وخالقها ورازقها والمدبر لشؤونها، وأنه تعالى القادر على كل شيء، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وحلماً، وأنه القاهر فوق عباده، وأنه تعالى المتفرد بذلك لا شريك له ولا ند ولا مثيل، دلت على ذلك آياته في الآفاق وفي الأنفس، وصدق من قال:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.

فطريق تحقيق توحيد الربوبية وتثبيته في النفوس هو منهج القرآن الذي يقود إلى النظر ويأمر به، ويجعل توحيد الألوهية من مقتضى الإيمان بتوحيد الربوبية، وإليك بعض الآيات الدالة على ذلك:
1- قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75]، فطريق اليقين والإيمان هو النظر في ملكوت السماوات والأرض.
2- وقال الله تعالى في سورة البقرة بعد أن ذكر قصة الرجل الذي مر على القرية: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].

قال الإمام القرطبي في تفسيره: قال الطبري: المعنى في قوله فلما تبين له أي اتضح له عياناً ما كان مستنكراً في قدرة الله عنده. ثم أورد قولاً آخر ورجحه وهو: أنه أخبر عن نفسه عندما عاين من قدرة الله تعالى في إحيائه الموتى فتيقن ذلك بالمشاهدة فأقر أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير. انتهى.

وننصح بالرجوع إلى تفسير الإمام القرطبي والإمام ابن كثير عند هذه الآية، ولولا الإطالة لنقلنا من كلامهما حول الآية ما تطرب له العقول وتذعن له القلوب.
3- وقول الله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101].
4- وقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185].
5- وقوله تعالى: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثـية:3-4-5].

وفي هذه الآيات يخبرنا الله جل شأنه أن في السموات والأرض والمخلوقات والليل والنهار والأمطار والثمار والرياح آيات وعلامات دالة على ربوبيته، وقد عقب الله على آيات سورة الجاثية بقوله تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثـية:6].
6- وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً..... [عبس:25].
7- وقوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ...... [الغاشية:18].
8- وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:6].

فالنظر في آيات الله هو طريق تحقيق توحيد الربوبية، ولذا فعلى العبد أن لا يغفل عن التدبر والتأمل في آيات الله تعالى، وقد أورد الإمام ابن كثير بعض الأثار في تفسير قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190].

قال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار، وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وقال الفضيل قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.

وقال سفيان بن عيينه: الفكرة نور يدخل قلبك، وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة... ألخ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية: 25708، 16146، 18262.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني