الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مداعبة المُحرِم زوجتَه بعد التحلل الأول

السؤال

من باشر زوجته بعد التحلل الأول في الحج، ولم ينزل، ما حكمه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في جواز مداعبة المُحرِم زوجتَه بين التحللين؛ فذهب بعضهم إلى أنه يحل بالتحلل الأول ذلك دون الجماع، وذهب أكثر العلماء إلى عدم جوازه، وهو الراجح المفتى به عندنا؛ لقول عائشة، وابن عباس، وابن عمر: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء». روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة وغيره. وهو كذلك قول عمر بن الخطاب، وابن الزبير، وعلقمة، وسالم، وطاووس، والنخعي، وعبيد الله بن الحسين، وخارجة بن زيد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وبه قالت الحنفية، والإمام أحمد في روايةٍ هي مذهب الحنابلة.

قال ابن قدامة: [فيبقى ما كان محرَّمًا عليه من النساء، من الوطء، والقبلة، واللمس لشهوة، وعقد النكاح، ويحل له ما سواه]. اهـ.

قال الخطيب الشربيني في "الإقناع": [يحصل التحلل الأول في الحج بفعل اثنين من ثلاثة، وهي رمي يوم النحر والحلق أو التقصير والطواف المتبوع بالسعي إن لم يكن فعل قبلُ -أي لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم وهو قارن أو مفرد-، ويحل به اللبس، وسترُ الرأس للرجل ... والحلقُ، والقلْمُ، والطيبُ، والصيدُ، ولا يحل به عقد النكاح ولا المباشرة فيما دون الفرج؛ لما روى النسائي بإسناد جيد -كما قاله النووي-: «إذا رميتم الجمرة حل لكم كل شيء إلا النساء»]. اهـ.

وعلى هذا القولِ الراجح؛ إن كانت المداعبة الحاصلة بينهما من وراء حائل -كالثياب مثلًا- دون تماس البشرتين بشهوة، فلا فدية عليهما، لكن عليهما الاستغفار والتوبة من ذلك الذنب.

وإن كان عن مباشرة -والمراد بها التماس البشرتين- بشهوة، فالواجب على كلٍّ منهما فديةٌ على التخيير، من صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم كل مسكين نصف صاع من الأرز ونحوه، أو ذبح شاة، كما قال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ {البقرة:196}، وسواءٌ أَنْزلا أم لا.

قال صاحب "العباب": [وأما المقدمات بشهوة حتى النظر: فتحرم -ولو بين التحللين-، ولا تُفسد النسك وإن أنزل، ويجب بتعمدها الدمُ أي: وإن لم ينزل، وكذا بالاستمناء إذا أنزل، لا بالنظر بشهوة والقبلة بحائل وإن أنزل]. اهـ. وقال ابن حجر في "التحفة": [لا دم مع انتفاء المباشرة وإن أنزل، ويجب بها وإن لم ينزل]. اهـ.

والمراد بالدم هنا: شاة على التخيير كفدية الأذى، كما سبق.

قال في كشاف القناع: ((وما عدا ما يوجب بدنة بل) أوجب (دمًا كاستمتاع لم ينزل فيه) وكالوطء في العمرة وبعد التحلل الأول في الحج، قاله في الشرح، (فإنه يوجب شاة وحكمها حكم فدية الأذى) لما في ذلك من الترفه. وقد قال ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير: عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك. رواه الأثرم). انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني