الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية في هلاك الطائع والعاصي والصغار عند ظهور المنكرات

السؤال

الله سبحانه وتعالى لما خسف بقرية قوم لوط وعاد وغيرهم، هل خسف بأبنائهم الصغار وحكم عليهم بالموت أم ماذا حصل معهم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فان الظاهر من النصوص أن الصغار يهلكون مع الكبار في مثل هذه المواطن لأن الله أخبر عن قريتهم فقال: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ {هود:82}،

قال ابن جرير في تفسيره: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا أَصْبَحُوا يَعْنِي قَوْمُ لُوطٍ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ، فَاقْتَلَعَ الأَرْضَ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلاَبِهِمْ وَأَصْوَاتَ دِيُوكِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَقَتَلَهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، الْمُنْقَلِبَةُ حِينَ أَهْوَى بِهَا جَبْرَئِيلُ الأَرْضَ فَاقْتَلَعَهَا بِجَنَاحِهِ... انتهى.

ولا ينافي هذا كون الصبيان غير مكلفين ولم يقع منهم سبب العذاب ولا دخل لهم فيه، فإن العذاب يعم الناس جميعا ثم يبعثون على حسب حالهم وأعمالهم ونياتهم؛ لما في حديث البخاري: إذا أنزل الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم. وفي الحديث: إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم يبعثون على نياتهم. أخرجه ابن حبان.

وفي فتح الباري لابن حجر: والمراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم قوله: ثم بعثوا على أعمالهم، أي بعث كل واحد منهم على حسب عمله، إن كان صالحا فعقباه صالحة وإلا فسيئة، فيكون ذلك العذاب طهرة للصالحين ونقمة على الفاسقين، وفي صحيح ابن حبان عن عائشة مرفوعا: إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم. وأخرجه البيهقي في الشعب وله من طريق الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عنها مرفوعا: إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه فيهم، قيل: يا رسول الله وفيهم أهل طاعته؟ قال: نعم ثم يبعثون إلى رحمة الله تعالى، قال ابن بطال: هذا الحديث يبين حديث زينب بنت جحش حيث قالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث، فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي، قلت: الذي يناسب كلامه الأخير حديث أبي بكر الصديق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب، أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان. وأما حديث ابن عمر في الباب وحديث زينب بنت جحش فمتناسبان، وقد أخرجه مسلم عقبه ويجمعهما أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي، وزاد حديث ابن عمر أن الطائع عند البعث يجازى بعمله، ومثله حديث عائشة مرفوعا: العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فقلنا: يا رسول الله؛ إن الطريق قد تجمع الناس، قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم، أخرجه مسلم، وله من حديث أم سلمة نحوه ولفظه فقلت: يا رسول الله؛ فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته، وله من حديث جابر رفعه يبعث كل عبد على ما مات عليه، وقال الداودي: معنى حديث ابن عمر أن الأمم التي تعذب على الكفر يكون بينهم أهل أسواقهم ومن ليس منهم فيصاب جميعهم بآجالهم ثم يبعثون على أعمالهم. ويقال: إذا أراد الله عذاب أمة أعقم نساءهم خمس عشرة سنة قبل أن يصابوا لئلا يصاب الولدان الذين لم يجر عليهم القلم، انتهى وهذا ليس له أصل وعموم حديث عائشة يرده، وقد شوهدت السفينة ملأى من الرجال والنساء والأطفال تغرق فيهلكون جميعا، ومثله الدار الكبيرة تحرق، والرفقة الكثيرة تخرج عليها قطاع الطريق فيهلكون جميعا أو أكثرهم، والبلد من بلاد المسلمين يهجمها الكفار فيبذلون السيف في أهلها وقد وقع ذلك من الخوارج قديما ثم من القرامطة. اهـ

وقد ذكر أهل العلم أن صبيان الكفار يمتحنون يوم القيامة، واستدلوا لذلك بما روى أبو يعلى قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني الهرم كلهم يتكلم بحجته» فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرز، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه، قال: فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفر؟ قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، فقال: فيقول الله تعالى: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار. اهـ

قال الهيثمي في المجمع: رواه أبو يعلى والبزار بنحوه وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية الرجال أبي يعلى رجال الصحيح. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني