الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من وشى بغيره فأدت الوشاية إلى قتله

السؤال

ادعى شخص على آخر بأنه وشى بوالده، وبسبب الوشاية قُتل والده، والآن هذا الرجل يطالب بالعوض المالي، والواشي مازال موجوداً، وعنده أملاك، وابن المقتول يطالب بالعوض المالي، فما حكم الوشاية أو السعاية إذا أدت إلى القتل؟ والإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بسبب الوشاية ضرب وجلد، ولكن لم يطالب بالعوض من خصمه، وكذلك الشافعي، فهل من بحث علمي دقيق أو فتوى محررة في هذه القضية؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمجرد ادعاء شخص على آخر لا يلزم به شيء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو يُعطَى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. رواه الترمذي والبيهقي، وبعضه في الصحيحين، كما قال الإمام النووي في الأربعين.
ومع ذلك نقول للسائل الكريم: لم تبين لنا ما هي الوشاية التي كانت سببا في القتل، وعلى كل حال، فالوشاية إن كان المقصود بها: حمل النميمة، والسعاية بالإفساد بين الناس، فهي حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وهي من كبائر الذنوب ـ والعياذ بالله ـ فقد قال تعالى: هماز مشاءٍ بنميم {القلم: 11}.

وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه.

والقتات النمام، وإن كان المقصود بها شهادة الزور، فهي حرام كذلك، وهي من كبائر الذنوب، وراجع الفتوى رقم: 65719.

ومع أن الواشي قد ارتكب إثما عظيما، فإن الدية إنما تجب على من باشر القتل دون من وشى أو تسبب، لما تقرر عند الفقهاء أنه: إذا اجتمع التسبب والمباشرة اعتبرت المباشرة دونه، وراجع الفتوى رقم: 120799.

إلا إذا كانت الوشاية شهادة بالزور، فقتل بموجبها، فإن عليه الدية أو القصاص، كما جاء في حاشية الدسوقي المالكي على الشرح الكبير: وَدِيَةً إذَا شَهِدَا بِقَتْلٍ وَلَوْ تَعَمَّدَا الزُّورَ فِي شَهَادَتِهِمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا فِي الْعَمْدِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَقْرَبُ، لِأَنَّهُمَا قَتَلَا نَفْسًا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ. اهـ

وقال ابن عاصم في تحفة الحكام:

وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ * فِي كُلِّ حَالٍ الْعِقَابُ يَلْزَمُهْ.

قال شارحه: وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ عَمْدًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِالْجُرْحِ كَانَتْ زُورًا وَكَذِبًا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّمُ الدِّيَةَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدِ.
وفي هذه الحالة يحق للشخص أن يطالب بالقصاص أو التعويض ـ الدية.. ـ ممن تسبب في قتل والده، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: المقصود أنه يستدرك ما حصل بشهادته من الزور، يستدرك ما حصل إن كان مال يرده على صاحبه، وإن كان غير ذلك يستدرك ما أمكنه من ذلك مع التوبة، وهذا من تمام التوبة، وإن كان قصاصا ًمكنه، إن كان قتل الشخص بشهادته بالزور، فعلى شهداء الزور أن يمكنوا أولياء المقتول حتى يأخذوا حقهم، لأنه قتل بأسبابهم، أو يعطوهم الدية إذا سمحوا بها، فالمقصود أن شاهد الزور عليه أن يستدرك ما حصل بشهادته مع التوبة إلى الله والإنابة إليه والندم على ما مضى منه والعزم أن لا يعود، نسأل الله العافية والسلامة. انتهى.

وكلمة الفصل في هذا النوع من المسائل هي للمحاكم الشرعية نظرا لامتلاكها من الوسائل ما تستطيع به الاطلاع على حيثيات النزاع، ولهذا ننصح هذا الشخص بالرجوع إليها، وكون بعض الأئمة ـ رضي الله عنهم ـ عفا عن ظالمه أو أسقط حقه لا يلزم ذلك غيره بالتنازل عن حقه أو العفو عن ظالمه، وانظر الفتوى رقم: 9215.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني