الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منازل أهل العلم وتفاوت درجاتهم

السؤال

سؤالي مهم وهو: هل الأدلة المذكورة في القرآن والسنة، وأقوال السلف، والعلماء عندما يذكرون أهل العلم والعلماء. هل المقصود هنا العلماء الكبار أمثال ابن عثيمين، أو ابن باز، أو ابن تيمية وغيرهم، أم نحن طلاب العلم داخلون في هذه الآيات، وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
يعني عندما ذكر الله تعالى قوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) هل أهل العلم فقط العلماء الكبار؟
وكذلك في قوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) وقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وغير ذلك من الآيات والأحاديث أيضا كحديث: العلماء ورثة الأنبياء، وحديث: فضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وغير ذلك من الأحاديث المستفيضة، وأقوال السلف كقول سفيان: وليس هناك أحد أعز على الله مما جعله بينه وبين الناس، وهم العلماء والأنبياء. وككلام ابن القيم عن ورثة الأنبياء في مفتاح دار السعادة في موقعكم.
هل المقصود هنا العلماء الكبار فقط، أم كذلك المشايخ الأقل منهم علما كالدعاة؟ وهل يدخل في ذلك طلاب العلم المبتدئون، أو الذين أخذوا حظا وافرا من العلم، وتقدموا في العلم؛ لأن الإنسان ربما قد يطلب العلم ويجد ويجتهد، لكن لا يصل لحظ وافر من العلم كاف، أو يصير عالما، فأن يصير الشخص عالما كابن عثيمين، أو كالعلماء الكبار هذا أمر صعب قليلا، فربما يموت الإنسان مثلا باكرا، أو تكون عنده مشاغل كثيرة، فيجتهد في الطلب بقدر استطاعته، لكن لا يصل إلى قدر كبير من العلم، لكن يبقى يطلب العلم. فهل يدخل في جميع الآيات والأحاديث الشريفة في فضل العلماء وأهل العلم؟
فعندما أقرأ تفسير المفسرين للآيات، أو أقرأ الكتب الخاصة بطلب العلم كمفتاح دار السعادة، والعلم لابن عثيمين، دائما ما يقولون العلماء، أو كلمة أهل العلم، أو أولو العلم.
فهل ندخل نحن طلاب العلم في كلامهم للعلماء، عندما يذكرون الآيات والأحاديث النبوية، وأقوال السلف؟
وما المقصود بأهل العلم، أو أولو العلم والعلماء، أو ورثة الأنبياء في كلام الله أولا، والأحاديث النبوية ثانيا في الأدلة التي تختص بأهل العلم والعلماء، وأقوال السلف ثالثا، وأقوال علماء السلف رابعا في تفسرهم لكلام الله، والأحاديث التي تخص العلماء، وفي كتبهم المخصصة لأهمية طلب العلم، وفضل أهل العلم ككتاب العلم، أو مفتاح دار السعادة أو غيره.
فهل يدخل طلاب العلم سواء كانوا مبتدئين أو متوسطين، أو الذين أخذوا حظا وافرا من العلم في هذه المسميات، وهذه الأدلة وأقوال العلماء التي تخص العلم؟
أرجو الإجابة قريبا؛ لأني موسوس جزاكم الله خيرا، وهذا السؤال قد ثبطني عن طلب العلم ونشره.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن أهل العلم تتفاوت رتبهم، وتتباين منازلهم بحسب ما آتاه الله كلا منهم من العلم به، وبشرعه، فأعلمهم بالله وبشرعه، أكثرهم حظا من هذه النصوص، ولا ريب أن رسل الله هم أعلم الخلق بالله، ثم الناس بعدهم متفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما، وبقدر حرص الشخص على العلم ونيله منه، يكون حظه من تلك النصوص الواردة في فضل العلم وأهله، فمن كان أكثر علما، وأعظم خشية لله، وأرسخ في المعرفة بالله وبشرعه، كان فضله أكمل ومنزلته أعلى، ومن كان دون ذلك، فهو بحسبه، ولا يضيع الله عمل عامل، ولا يخيب سعي ساع.

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- بعد ذكر جملة من النصوص في فضل العلماء: والنصوص في هذا كثيرة معلومة، ويكفي في شرف العلم وأهله أن الله عز وجل استشهدهم على وحدانيته، وأخبر أنهم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال. قال تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فاستشهد الملائكة، وأولي العلم على وحدانيته سبحانه، وهم العلماء بالله، العلماء بدينه، الذين يخشونه سبحانه ويراقبونه، ويقفون عند حدوده، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ومعلوم أن كل مسلم يخشى الله، وكل مؤمن يخشى الله، ولكن الخشية الكاملة إنما هي لأهل العلم، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم من يليهم من العلماء على طبقاتهم. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فالخشية لله حق، والخشية الكاملة إنما هي من أهل العلم بالله والبصيرة به، وبأسمائه، وصفاته، وعظيم حقه سبحانه وتعالى، وأرفع الناس في ذلك هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم يليهم أهل العلم على اختلاف طبقاتهم في علمهم بالله ودينه. انتهى.

وإذا علمت هذا، فإن قعودك عن طلب العلم تضييع منك لهذه المنزلة العظيمة، وتفريط في هذا الثواب الجزيل الذي يناله طلبة العلم، بل أنت كلما أمعنت في طلب العلم، وبالغت في التزود منه، علت رتبتك عند الله تعالى، وعظم حظك من هذه النصوص التي أوردتها وغيرها، فما حصل لك من التثبيط عن التعلم إنما هو مكيدة شيطانية، يريد بها أن يحول بينك وبين الخير، فاحذر الشيطان ومكره، وجاهد الوساوس ولا تلتفت إليها، ولا تبال بها، ولا تعرها اهتماما؛ فإن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني