الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المفاضلة بين الإنكار الجماعي والفردي على العصاة

السؤال

الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من أعظم شعائر الدِّين، والمسلم العامّي يحتاج في بعض الأحيان إلى الدّخول في أماكن يشيع فيها المنكر –كالأسواق، ووسائل النّقل، وغيرها- والمنكر الشّائع –كالتّبرّج، والدّخان، وحلق اللّحية، وغيرها- فكيف يوصّل المسلم الأمر لجميع النّاس العصاة؟ وهل يجب عليه أن يقوم في مكان مرتفع وينكر عليهم في العلن؟ أم يكفيه أن يتحيّن الفرصة الملائمة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يطهر مجتمعات المسلمين من هذه الرذائل, وأن يرزقهم التمسك بالطاعات, والبعد عن المحرمات.

واعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب النهي عن المنكر، والسعي في تغييره حسب الاستطاعة، وهو من فروض الكفاية، وقد يتعين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر، ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. اهـ.

وأما القيام بمكان مرتفع، والكلام بصوت مرتفع عن تحريم هذه المعاصي، والترهيب منها، فهو مما يمكن استخدامه في الإنكار إن أمن حصول الضرر به، ورجيت الاستجابة، والانتفاع به، ولكنه قد لا يكفي في إقلاع الناس، فقد يحتاج الأمر لمناصحتهم، ومناقشتهم فردًا فردًا، فقد لا يهتم الناس بالكلام العام، بخلاف ما لو ناصحت أحدًا، ورهّبته من الحرام، فربما يتعهد بالتوبة، والإقلاع عن الذنب.

وقد عُلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر الشرك على المشركين بشكل علني في مكة مرة، وكان أغلب هديه بعد ذلك الاتصال الفردي بهم، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا... الحديث. متفق عليه.

وقد ذكر ابن عبد السلام في قواعده أنه لا يجب الإنكار عند اليأس من الاستجابة, وإنما يكون مستحبًا, واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينكر على المشركين كلما رآهم، فقال - رحمه الله تعالى -: فإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن أمره ونهيه لا يجديان ولا يفيدان شيئًا, أو غلب على ظنه, سقط الوجوب؛ لأنه وسيلة، ويبقى الاستحباب, والوسائل تسقط بسقوط المقاصد, وقد كان صلى الله عليه وسلم يدخل إلى المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان، ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه, وكذلك لم يكن كلما رأى المشركين ينكر عليهم, وكذلك كان السلف لا ينكرون على الفسقة والظلمة فسوقهم وظلمهم وفجورهم كلما رأوهم, مع علمهم أنه لا يجدي إنكارهم, وقد يكون من الفسقة من إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم, فيزداد فسوقًا إلى فسوقه, وفجورًا إلى فجوره. اهـ

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 36372، 17092، 197249، 216829.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني